تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن بين ما حجب القرآن عن الناس في بعده الاجتماعي هيمنة النظرة الفقهية بمعناها الضيق. إن المساحة التشريعية في القرآن مساحة مقدرة لكنها ليست كل المساحة. ومن ثم صار من اللازم الكشف عن مواطن وآفاق وأبعاد الرؤية القرآنية في المسائل الاجتماعية، وكذا عن السنن والقوانين الموصلة إلى إدراك مقومات التسخير التي تحقق عمارة الأرض وتمكن من القيام بأعباء الاستخلاف. وهذه كلها عناصر تخص بناء الإنسان كمحل للأحكام الشرعية التي جاءت ثمرة لوجوده. ومن اجل الكشف عن مواطن الرؤية القرآنبة في المسائل الاجتماعية كان الاتجاه الاجتماعي في التفسير

ويمتاز تناول القرآن للقضايا الاجتماعية بكل ما تمتاز به منهجيته الفريدة التي تتسم بالدقة والشمولية ففي القرآن أمر بالتفكر في أحوال المجتمعات البشرية، و فيه أيضا حديث عن كثير من السنن الاجتماعية، وفي القرآن أيضا أمثلة تتحدث عن أشكال متعددة للمجتمعات البشرية، فيكون قد اجتمع لنا بذلك الأمرُ بالبحث في المجال الاجتماعي، والإرشاد إلى سننه الضابطة، ثم تقديم تصنيف بشأن المجتمعات البشرية.

4 ـ الاتجاه الاجتماعي في التفسير بين مناهج التفسير

لقد تناول أغلب المؤرخين للتفسير ولمناهجه الاتجاه الاجتماعي وإن تفاوت تقديرهم له. فقد اختلفوا في تسميته بين من نظر إليه باعتباره منهجا مستقلا، وبين من قرنه بالاتجاه الأدبي كما في الدراسة القيمة لمناهج التفسير التي أعدها الدكتور محمد حسين الذهبي فقد وجدناه يقرنه بالأدب ويسميه "اللون الأدبي الاجتماعي" في كتابه التفسير والمفسرون ويعرف المدرسة من خلال وظائفها:"إن هذه المدرسة نهجت بالتفسير منهجا أدبيا اجتماعيا فكشفت عن بلاغة القرآن وإعجازه وأوضحت معانيه ومراميه وأظهرت ما فيه من سنن الكون الأعظم ونظم الاجتماع وعالجت مشاكل الأمة الإسلامية خاصة ومشاكل المم عامة بما أرشد إليه القرآن من هداية وتعاليم جمعت بين خيري الدنيا والآخرة ووفقت بين القرآن وما أثبته العلم من نظريات صحيحة وجلت للناس أن القرآن هو كتاب الله الخالد" اما رواد هذا الاتجاه عند الذهبي فهم الشيخ محمد عبده والسيد محمد رشيد رضا و الشيخ محمد مصطفى المراغي.

ولعل عن الذهبي أخذ نفس الإصطلاح عبد القادر محمد صالح في كتابه التفسير و المفسرون في العصر الحديث فسماه التفسير الأدبي الاجتماعي. أما النماذج فتكاد تكون هي نفسها أي الشيخ محمد عبده ورشيد رضا من خلال تفسير المنار، ثم مصطفى المراغي من خلال تفسيره، والحق بهم سيد قطب وكتابه في ظلال القرآن. وأظن أن إلحاق في ظلال القرآن إنما بسبب الجمع بين الاتجاه الأدبي و الاتجاه الاجتماعي.

و من بين من لم ينظر إليه باعتباره إتجاها مستقلا نجد فهد الرومي فهو عنده يتكامل مع ما عرف بالمدرسة العقلية وهكذا وجدناه يتحدث عنه تحت عنوان كبير هو:" المدرسة العقلية الاجتماعية الحديثة في التفسير" وذلك في كتابه اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر.

و بالمقابل وجدنا الدكتور محسن عبد الحميد يتحدث عن هذا الاتجاه باستقلال و بأن الذي أرسى دعائمه هو الأفغاني في العروة الوثقى وكان الموجه الأساس لتفسير المنار الذي يمثل بنظره جهود الأعلام الثلاثة: الأفغاني،عبده، رشيد، ويجعل من أهم معالمه:" بيان سنن الله في الخلق ونظام الاجتماع البشري وأسباب ترقي الأمم وتدليها وقوتها وضعفها" وينسب للسيد رشيد رضا أنه يؤاخذ المفسرين لغفلتهم عن سنن الله في الوجود وعدم استنباطهم القواعد الاجتماعية من القرآن الكريم.

ويجعل الدكتور محسن عبد الحميد العمل الذي قام به رشيد رضا من أهم ما استند عليه الاطلاع على تواريخ الأمم وقواعد العمران ونواميس الحياة والاستفادة من الدراسات الانسانية الحديثة"

وممن اصطلح على هذا الاتجاه "الاتجاه الاجتماعي في التفسير" الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي في كتابه" تعريف الدارسين بمناهج المفسرينوجعله من بين اتجاهات التفسير في العصر الحديث و قد عرفه بوظيفته بقوله:" يركز صاحب التفسير ذي الاتجاه الاجتماعي على مجتمعات المسلمين، ويحرص على إصلاح تلك المجتمعات على أساس القرآن ويعالج أمراض ومشكلات المجتمع المختلفة ويقدم السنن الاجتماعية الكفيلة برقي المجتمعات وتقدمها."

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير