تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأول: إن كل مجتهد مصيب، وهذه مسألة خلافية بين العلماء (9) والذي اختاره ابن العربي وصححه أن كل مجتهد مصيب واستدل لذلك بأدلة منها:

*قوله تعالى:" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" (10) فالتفرق المنهي عنه يحتمل أمورا منها: ترك التخطئة في الفروع والتبري فيها، وليمضي كل أحد إلى اجتهاده، فإن الكل بحبل الله معتصم وبدليله عامل وقد قال صلى الله عليه وسلم:" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" (11) فمنهم من حضرت العصر فأخرها حتى بلغ بني قريظة أخذا بظاهر قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال لم يرد هذا منا وإنما أراد الاستعجال، فلم يعنف النبي عليه الصلاة والسلام أحدا منهم،والحكمة في ذلك أن الاختلاف والتفرق المنهي عنه،إنما هو المؤدي إلى الفتنة والتعصب وتشتيت الجماعة، وأما الاختلاف في الفروع فهو من محاسن الشريعة قال النبي عليه السلام:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أجتهد فأخطأ فله أجر واحد" (12) وروي "أن له إن أصاب عشرة أجور". (13)

*قوله تعالى:" ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما" (14) فأثنى الله على سليمان بصوابه، وعذر داود باجتهاده، وآتى الكل حكما وعلما. دليل على أن أقوال المجتهدين حق وأن كل مجتهد مصيب" (15)

*إن التحليل والتحريم ليسا بصفات للمحللات ولا للمحرمات، وإنما هي عبارة عن قول الشارع فيما شرع، وعن قول المفتي فيما أفتى، وذلك كالنبوة ليست بصفة ذاتية للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي عبارة عن مكاشفته بالوحي، فإذا أدى الناظر به النظر إلى تحليل عين لم يتعلق بالعين من ذلك وصف، وتعين عليه العمل بما أدى إليه اجتهاده ونظره، وإن نظر آخر فأداه نظره إلى تحريم، عمل أيضا على مقتضى اجتهاده ولم يتعلق بالعين من قوله شيء. (16)

وابن العربي إذ يقرر هذه الحقيقة،يرى أن القائلين بها هم العلماء (17)، وأن القائلين بأن الحق إنما ه في قول بعضهم هم الضعفاء الجاهلون بالطريقة، وأن عمدتهم فيما ذهبوا إليه لا تستحق أن تسمع. (18)

الثاني: إذا كان كل مجتهد مصيبا في اجتهاده فإن ذلك إنما هو في المسائل الشرعية التي لا قاطع فيها والتي لم يرد بها نص، أما المسائل الشرعية المقطوع بها والتي ورد بها النص فليس كل مجتهد فيها بمصيب، بل الحق فيها واحد، فالموافق له مصيب والمخطئ باجتهاده مخطئ، إذ لا اجتهاد مع النص (19).

الثالث: إذا كان كل مجتهد مصيب، وأن ذلك إنما هو فيما لا نص فيه، فإنه يترتب عليه أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، ومثل له ابن العربي بالاجتهاد في معرفة القبلة، فإذا اجتهد في مكة وأخطأها لزمه إعادة الصلاة لوجود النص، وإذا اجتهد في غير مكة لم يعد، لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد. (20)

الرابع: ينبني على ما تقدم أن كل حكم اجتهادي أنفذ يجوز الاجتهاد فيه مرة أخرى حتى لو كان هذا الحكم حكم الصحابة، يقول ابن العربي:"إن كل حكم أنفذته الصحابة يجوز الاجتهاد فيه ثانيا وذلك فيما لم يرد فيه نص ولا انعقد عليه إجماع" (21) لأن أمر الاجتهاد مرده إلى النظر في الأدلة ومراعاة مراتبها وارتباطها باللغة، واختلاف روايات الأخبار بالزيادة والنقصان وغير ذلك من أسباب اختلاف العلماء. (22)

المطلب الثاني: أهمية الاجتهاد عند ابن العربي

تحدث ابن العربي عن أهمية الاجتهاد وضرورته في أكثر من موضع من كتبه، وعقد له فصلا في كتابه"المحصول" ونبه على اجتهاده في كثير من القضايا واعتبر أن الاجتهاد أصل الدين والشريعة، وأنه منه قامت الأحكام، وعليه عول السلف من الأمة، وبه فصل بين الحلال والحرام وأن التعويل على العلامات والأمارات التي هي معتمد الاجتهاد أصل الشريعة في المشكلات والمفزع في الأوامر والنواهي، وأنه كثيرا ما ينبني القطعي على الظني في مسائل الفقه (23) واستدل لهذه الأهمية بأدلة منها:

*ورود عدة نصوص شرعية محتملة لمعاني مختلفة وهذا يقتضي استعمال النظر والحكم بالاجتهاد استنادا إلى الأصول المنصوصة (24).

* إن الله سبحانه لم يجعل طرق الأحكام نصا يدركه الجفلى، وإنما جعله مظنونا يختص به العلماء لقوله سبحانه"يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات" ويتصرف المجتهدون في مسالك النظر فيدرك بعضهم الصواب فيؤجر عشرة أجور ويقصر آخر فيدرك أجرا واحد وتنفذ الأحكام الدنيوية على ما أراد الله تعالى (25).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير