*قوله تعالى:" ممن ترضون من الشهداء" (26) دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات على ما خفي من المعاني والأحكام. (27)
*قوله تعالى: "فإن أراد فصال عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما" (28) وهذا يدل على جواز الاجتهاد في أحكام الشريعة،لأن الله تعالى جعل للوالدين التشاور والتراضي في الفطام، فيعملان على موجب اجتهادهما فيه وتترتب عليه الأحكام. (29)
*أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب الاجتهاد فعن عمر رضي الله عنه انه خطب يوم الجمعة فقال:"إني لا أدع بعدي شيئا هو أهم عندي من الكلالة وما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ ما راجعته الكلالة، و ما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيها، حتى طعن بأصبعه في صدري وقال:" يا عمر إما تكفيك آية الصيف يعني الآية التي في آخر سورة النساء" (30) فعمر كان يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم النص القاطع للعذر وهو عليه السلام يحمله على البيان الواقع مع الإطلاق الذي وكل فيه إلى الاجتهاد بالأخذ من اللغة ومقاطع القول ومرابط البيان ومفاصله، وهذا نص في جواز الاجتهاد ونص في التكلم بالرأي المستفاد عند النظر الصائب. (31)
*إقراره صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد الخدري في أخذه جعلا على الرقية ولم ينكر عليه نظره واجتهاده من غير نص، وهذا دليل على جواز الاجتهاد. (32)
*إجتهد كثير من الصحابة زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهم على اجتهادهم وهذا يدل على أهمية الاجتهاد ومشروعيته. (33)
*إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد ويقضي في باجتهاده فيما لم ينزل فيه وحي، وكان دينا يلزم اتباعه (34) فأرشد بذلك أمته إلى وجوب التأسي به والاجتهاد فيما لم يرد به نص.
هذه أمثلة تدل على مشروعية الاجتهاد عند ابن العربي وأهميته في معرفة الأحكام الشرعية وتنزيلها على القضايا والنوازل، وهذه الأهمية لا تنحصر في الآدميين بل تشمل الملائكة، فالاجتهاد أصل عندهم كما هو أصل عند الآدميين، ومن ثم شدد ابن العربي النكير على منكري الاجتهاد ومبطليه ودعاة التقليد ودعا عليهم بالتعاسة (35) وصرح بأن التقليد حرام في حق العلماء القادرين على النظر واستنطاق الأدلة استنطاقا صحيحا ولا يجوز لهم اللجوء إليه إلا في حالتين:
الأولى: في حالة خوف فوات وقت الصلاة، فالعالم وإن كان قادرا على النظر ولكن ضاق وقت العبادة، فاحتياطا لها جاز له أن يقلد عالما آخر لأن ما يقتحم في التقليد من الخطأ أيسر من اقتحام فوات الوقت. (36)
الثانية: في حالة نزول نازلة خفي عليه فيها وجه الدليل والنظر، فأراد أن يردد الفكر فيها والنظر حتى يقف على المطلوب، فضاق الوقت عن ذلك، جاز أن يقلد عالما آخر.
أما في غير هاتين الحالتين فلا يجوز لمجتهد أن يقلد آخر إجماعا كما حكى ذلك ابن العربي فقال "أما مع الإطلاق والاسترسال وفي كل نازلة تقع فإنه ممنوع أجماعا" (37)
فكلامه رحمه الله واضح وصريح في أن الاجتهاد حق وواجب على العالم لا يعدل عنه إلا عند الضرورة القصوى ووقت الحاجة، رعاية لمصالح الناس ودفعا للضرر عنهم، ومن هذا الباب أيضا أوجب ابن العربي على العامي والقاصر عن النظر التقليد، لأنه يعصمه من الزلل ويبعده عن الضلال، ويهديه إلى سبيل الرشاد، ويحرم عله الاجتهاد صونا لأحكام الشرع من أن يتعاطاها من لا يملك آلة الاجتهاد، ولا يعتني بالأدلة، يقول ابن العربي:"أما التقليد في الحق فأصل من أصول الدين وعصمة من عصمة المسلمين يلجأ إليه الجاهل المقصر عن درك النظر". (38)
المطلب الثالث: مجال الاجتهاد عند ابن العربي
إذا كان الاجتهاد عند ابن العربي واجب، فإن مجاله واسع عنده يشمل الأمور الدنيوية والدينية بما فيها أمور الآخرة خلافا لما ذهب إليه المالكية من تعلق الاجتهاد بالدنيا فقط وأستدل لذلك بأمرين:
¥