تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإيراد الدلائل في كل باب باب، فيستعين به في ذلك ثم يستقل بالنقد والترجيح .... ولابد لهذا المقتضي أن يستحسن شيئا مما سبق إليه إمامه ويستدرك عليه شيئا، فإن كان استدراكه أقل من موافقته عد من أصحاب الوجوه في المذهب، وإن كان أكثر لم يعد تفرده وجها في المذهب،وكان مع ذلك منتسبا إلى صاحب المذهب في الجملة ممتازا عمن يتأسى بإمام آخر في كثير من أصول مذهبه وفروعه. ويوجد لمثل هذا بعض مجتهدات لم يسبق بالجواب فيها، إذ الوقائع متتالية والباب مفتوح فيأخذها من الكتاب والسنة وآثار السلف من غير اعتماد على إمام، ولكنها قليلة بالنسبة إلى ما سبق بالجواب فيه،وهذا هو المجتهد المطلق المنتسب" (48)، وهذا هو الذي قال عنه الإمام النووي إنه باق إلى أن تأتي أشراط الساعة الكبرى ولا يجوز انقطاعه شرعا لأنه فرض كفاية، ومتى قصر أهل عصر حتى تركوه أثموا كلهم وعصوا بأسرهم. (49)

ومن هؤلاء المجتهدين المنتسبين ابن القاسم وابن وهب في المذهب المالكي وأبو يوسف ومحمد وزفر في المذهب الحنفي، والمزني والبويطي في المذهب الشافعي وابن تيمية في المذهب الحنبلي وغيرهم ممن اعتبرت أقوالهم واتبعت آراؤهم وعمل على وفقها. (50)

3 - المجتهد في المذهب: وهو الذي يفتي بأقوال إمامه إن كان لإمامه قول فيما يعرض عليه من قضايا،فإن لم يكن لإمامه قول اجتهد وأفتى على مذهبه وخرجها من أقواله وعلى منواله لأنه يكون ملما بأصول ذلك المذهب وفروعه (51)، ومن هؤلاء الطحاوي والكرخي والسرخسي من الحنفيه، أما في المذهب المالكي فقد بلغوا من الكثرة حدا يصعب تعدادهم ومنهم أبن أبي زيد القيرواني وأبن رشد الجد والمازري واللخمي وأبن حبيب وغيرهم، وهم الذين حرروا فروع المذهب وأوضحوا أصوله وقعدوا قواعده، وأنموا مسائله، ودونوا فيه الدواوين العظام التي زخرت بالأحكام الفرعية في كل باب من أبواب الفقه عبادات ومعاملات، بحيث أصبحت أقوال صاحب المذهب لا تمثل إلا قدرا يسيرا إذا ما قورنت بما أضافوه.

4 - المجتهد المرجح أو مجتهد الفتيا:ّوهو المتبحر في مذهب إمامه والمتمكن من ترجيح قول على آخر ووجه من وجوه الأصحاب على آخر، فاجتهاده محدود في تخير الأقوال وتخير الروايات وهو في الحقيقة مقلد بيد أن له تفسيرا في المذهب ونشاطا عقليا وله نوع اجتهاد بالترجيح الذي يتولاه. (52)

والمتأمل في اجتهادات ابن العربي وترجيحاته الفقهية والأصولية يتبين أن الرتبة التي ينبغي أن يضاف إليها هي رتبة المجتهد المنتسب، فهو متقيد بمنهج الإمام، ملتزم به في التخريج،حر في استنطاق الأصول وعرض المسائل والنوازل عليها وتقرير أحكامها، وهي المرتبة التي وصف نفسه بها ونسبه إليها غير واحد من المحققين يقول ابن العربي:"وهل أنا إلا ناظر من النظار أدين بالاختيار وأتصرف في الأصول بمقتضى الدليل" (53) ويقول أيضا:" نحن نقول ذلك في تفريع مذهب مالك على أحد القولين في التزام المذهب بالتخريج لا على أنها فتوى نازلة تعمل عليها المسائل حتى إذا جاء سائل عرضت المسألة على الدليل الأصل لا على التخريج المذهبي". (54)

وقد وصف نفسه بالاجتهاد في غير موضع من كتبه فقد ساق اختلاف الفقهاء في الأصناف التي تجب فيها الزكاة وأدلة كل واحد ثم قال:" وقد آن تحديد النظر فيها كما يلزم كل مجتهد" (55) وقال عند الحديث عن مقدار حد الشرب:"وقد كنت في ولايتي أجلد ثمانين بالاجتهاد". (56)

وقد سلم له بالاجتهاد عدد من المحققين كشمس الدين الذهبي الذي وصفه بالاجتهاد المطلق وأقره على ذلك جلال الدين السيوطي وأبو إسحاق الاسفرايني وولي الله الدهلوي (57) وغيرهم ممن نصوا على أنه من المحققين ومن أهل اليقين في العلوم (58) واعتبر الحجوي الثعالبي كتابه "أحكام القرآن" من الكتب التي تعين على الاجتهاد جدا. (59) وإن ذلك ليشهد له بوضوح وجلاء مجموع اختياراته، وتوجهاته الدقيقة لكثير من المسائل التي صرح أنه لم يسبق إليها ولم يزاحم عليها ولم يتضمنها كتاب غير كتبه وأنها ظلت مقفلة حتى كشفها الله له بفضله وكرمه، وأنها ظلت مقفلة إلى أن فتحها الله له.

وأسوق بعضها لبيان أهميتها وقدرة ابن العربي على الاستدلال والاستنباط وأحقيتة بالاعتزاز والافتخار.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير