تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

12 - ومن أسباب المغفرة في القرآن صدقُ المراقبة لله وتعظيمُه بحيث لا يؤثر في العبد اجتماعه بالناس ومراقبتهم له وتطلعهم إليه أوخلوُّه بمحارم الله وأمنُه من نظر الناس إليه ,فالأمرانِ سيَّان عنده إذ هو يخشى ربَّ الناس ولا يبالي بالناس , ومن كان هذا حالَه فإن الله بشَّره بالمغفرة والجر الكريم يومَ قال (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَر يمٍِ) وأعاد له الوعدَ بالمغفرة بقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وعلى النقيض من ذلك من كان همُّهم رضى الناس وما يقول الناس , فما يخلو احدهم لله بحرمة إلا انتهكها على أقبح وجه , ويجعل الله جزاءهم من جنس عملهم كما صحَّت بذلك السنة فتأتي حسناتهم يومَ القيامة أمثال الجبال كما كانت مظاهرهم في الدنيا أمام الناس ثمَّ يأمر الله بها فتكون هباءً منثوراً كما فعلوا هم بالتدين والخشية التي نزعو قناعها في خلواتهم , ولا يظلم ربك أحداً.

13 - ومن أسباب المغفرة في القرآن الاستجابةُ لداعي الله في أزمنة إعراض الناس واجتماع كلمتهم على الكفر والفسوق , وهذه هي غربة الدين , كما في قصة القرية التي بعث الله لها ثلاثة الرسل فما زادتهم زيادة عدد الرسل إليهم إلا إمعانا في الغواية واجتماعا على الكفر , فجاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى يصدع بإيمانه بهم ويدعو قومه إلى ذلك فجعلوا يرجمونه بالحجارة حتى لقي الله شهيداً فقال الله عنه (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ *بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)

14 - ومن أسباب المغفرة في القرآن اتباعُ السنة النبوية والعضُّ عليها سيَّما في أزمنتا هذه التي انتهج كثيرٌ من المسلمين منهجَ نبذها من حياتهم وممارساتهم اليومية مكاناً قصياً , قال الله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فاتباع السنةالنبوية والالتزام بها مجلبةٌ لمحبة الله تعالى للمستنِّ بها ومحصِّلٌ للمغفرة.

15 - ومن أسباب المغفرة في القرآن إصلاحُ العَبد باطنَه وسلامة مقاصده ونواياهُ بحيث لا يبطنُ إلا خيراً ولا يريد وينوي بفعل أو قولٍ أو إشارةٍ على أحد أو رأيٍ إلا الخيرَ , ومن اطَّلعَ الله من باطنه على هذا فلم يرَ فيه إلا كمالَ المقصد وخلوص الطوية فقد أفلح وأنجحَ قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

16 - ومن أسباب المغفرة في القرآن أنّّ المسلمَ إذا مرَّت به محنة أو وقع في فتنة فعاد إلى الله واستعان بالاستغفار على محنته تلك وأناب إليه فإن الله يغفر له قال الله تعالى عن داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) فكان حاله عليه السلام بعد التوبة أحسن منه قبلها بسبب إنابته وضراعته إلى الله ,والتعبير بالفاء في قول الله (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) له دلالته التي لا تخفى في أن التوبة عليه كانت عقبَ استغفاره وإنابته مباشرة.

17 - ومن أسباب المغفرة في القرآن أن يرجع الوليُّ وقيِّمُ الأسرة وربُّها عن عقوبة الزوج والولد إن هو همَّ بذلك وعزم عليه قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإنَّ من تأخَّر عن الهجرة من الصحابة لمَّا جاءوا إلى المدينة ورأوا غيرهم قد فقه في دين الله همُّوا بمعاقبة أهليهم الذين كانوا سبببا في قعودهم وتأخرهم عن اللحاق بالمهاجرين فنزلت هذه الاية لتخبرهم بأن الله سيعاملكم في حال صفحكم عنهم ومغفرتكم لزلتهم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم بمغفرته لكم ويجعل جزائكم من جنس عملكم مع أهليكم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير