والقرينة في حرف يونس أن سيكون من الناس بعد نزول القرآن من ستحقّ عليهم كلمة ربنا وهي وعده بالعذاب كما بينت مفصلا في مقدمة التفسير في فصل الكلمات وأنهم لن يؤمنوا برسالة النبي الأمي ? أي بالقرآن ولو جاءتهم كل آية خارقة للتخويف والقضاء بل سيكفرون بها كذلك حتى يروا بأعينهم العذاب في الدنيا فساعتها سيؤمنون ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد أي لن ينفعهم الإيمان يومئذ بل سعذّبون بالعذاب ويهلكون به.
والقرينة في حرف الروم أن الله عالم الغيب والشهادة الذي يعلم ما لم يكن بعد كيف سيكون يوم يكون علم أن الآية الخارقة التي سألها الكفار محمدا ? لو جاءهم بها محمد ? لقالوا في وصفه هو والذين معه ? إن أنتم إلا مبطلون ? أي لن يؤمنوا بها بل سيستهزئون بها وبالذين آمنوا بها وكذلك سيقول الذين لا يعلمون ممن سيدركون يوم تأتي الآية الخارقة في خطاب المؤمنين بها يومئذ، فمجيء الآية الخارقة هذه الأمة وعد كما في قوله ? فاصبر إن وعد الله حق ? ومنه أن سيطبع الله على قلوب قوم لا يعلمون بل يكفرون بالآيات الخارقة الموعودة.
وكذلك وعد الله هذه الأمة أن ترى الآيات الخارقة كما في المثاني:
? ? اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ? القمر 1
? ? وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها ? الأنعام 25 الأعراف 146
? ? هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب ? غافر 13
? ? ويريكم آياته فأيّ آيات الله تنكرون ? غافر 81
? ? وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون ? خاتمة النمل
? ? سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق ? فصلت 53
? ? خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون ? الأنبياء 37
? ? وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا ? الجاثية 9
? ? فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ? البقرة 73
وتعني هذه الآيات المتلوّة أن الأمة بعد نزول القرآن سترى الآيات الخارقة المعجزة كل يراها بعينيه يقظة وجهرة، وكذلك حيث وقعت في القرآن تعدية الرؤية إلى الآيات فإنما المرئي هو الآيات الخارقة لسنن الكون ونظام الحياة فيه.
وإنما هي الرؤية بالعين المجردة كما في المثاني:
? ? وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ? البقرة 260
? ? لنريك من آياتنا الكبرى ? طه 23
? ? وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ? الزخرف 48
? ? ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى ? طه 56
? ? لنريه من آياتنا ? الإسراء 1
? ? لقد رأى من آيات ربه الكبرى ? النجم 18
وقد رأى فرعون وقومه تسع آيات بينات بأعينهم ورآها موسى بعينيه ورأى أكبر منها ورأى محمد ? في الإسراء والعروج به إلى الملإ الأعلى وإلى سدرة المنتهى من آيات ربه الكبرى، فحرفا الإسراء والنجم حجة على أن الإسراء والعروج به إلى ما فوق السماء السابعة كان بجسمه كله وليس بروحه فقط لأنه رأى من آيات ربه الكبرى عند سدرة المنتهى بالعين المجردة كما تحقق.
والذين سيدركون الآيات الخارقة في هذه الأمة إذا رأوها فقد علموها كما حققت في مقدمة التفسير في دلالة لفظ العلم كما هي دلالة قوله ? وإذا علم من آياتنا شيئا ? والقرينة فيه أن الموصوف بالأفاك الأثيم سيعلم من آيات ربنا أي سيراها بعينيه وإذا جاءت فهي الموصوفة بقوله ? هذا هدى ? أي سيهتدي به من هدى الله أما غيرهم فهم الموصوفون في قوله ? والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ?.
ومن المثاني مع حرف الجاثية ? وإذا علم من آياتنا شيئا ? قوله ? قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ? الإسراء 102 من قول موسى في وصف فرعون بعد أن رأى الآيات الخارقة فعلمها ولا علم قبل تمكن البصر من المعلوم ولا كرامة في هذا العلم إذ هو بالعين المجردة ولم ينتفع به صاحبه كما في قوله ? وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكّرون ? الجاثية 23 فهذا الذي أضله الله على علم هو ضلاله عن الآيات الخارقة لم يهتد بها ولم ينتفع ببصره ولا بسمعه ولا بقلبه إذ لم يفقه أن الآيات نذير وسيهلك أي يعذّب مكذبوها في الدنيا كما في الآخرة.
¥