ففيها زيادة على معنى الدلالة معنى الوضوح والجلاء والبيان، (وإياة الشمس) ضوؤها، وقولك في التفسير والتبيين: (أي) هو من هذا الأصل الذي هو التبيين والوضوح والجلاء.
وهذا مما يدل على براعة التعبير القرآني، وأسرار اختيار بعض الألفاظ على بعض.
لذلك انتقدت قولك:
ومما يقع على القرينة على التصديق قوله: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) ويعني بالآيات القرائن الدالة على براءته
لأن القرينة أضعف حالاً من الدليل، فهي لا تفيد اليقين بالبراءة وإنما تفيد غلبة الظن مع احتمال عدم البراءة، وهذا خلاف المعنى المراد من الآية، فهم قد رأوا الآيات أي العلامات والدلائل البينة على براءته التي لا يشوبها شك ولا ارتياب في براءة يوسف عليه السلام، لكنه بدا لهم أن يسجنوه لتحقيق مصلحة لهم في ذلك.
فجملة (من بعد ما رأوا الآيات) اعتراضية لبيان براءة يوسف عليه السلام مما قذف به، وبيان أن ذلك قد تبين لهم، وأن الحكم عليه بالسجن لا لشبهة أو ريبة في أمره، وإنما هو جور وظلم ليوسف عليه السلام، أرادوا به تخفيف التهمة عن امرأة العزيز لدى الناس.
وعوداً على معنى الآية
قال الخليل بن أحمد: (الآية: العَلامةُ، والآية: من آيات الله، والجميع: الآي)
قوله: (والآية: من آيات الله) يشمل الآيات الكونية والشرعية
فالآيات الكونية الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض وما أنعم به من سائر النعم كلها آيات على أنها من عند الله جل وعلا
وهي علامات بينات لا ينكرها إلا مكابر معاند.
والآيات الشرعية هي آيات القرآن المتلوة، سميت بذلك لأنها دالة على أنها من عند الله عز وجل.
وأما الخارقة المعجزة فتعبير محدث عن آيات الأنبياء، واسمها في القرآن آيات لأنها علامات ودلائل بينة على صدق رسالاتهم.
ومما يقع على الدليل على التكرار قوله: {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون}
هذا القسم بهذا التعبير غريب، والآية التي استدللت بها لا تفيد المعنى الذي أردته
فقوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)
التكرار مستفاد من تكرار ورود الليل والنهار وتكرار المنام والابتغاء من فضل الله، إذ هي نعم متكررة لا أن لفظ (الآيات) يدل على التكرار.
وأنت قد ذكرت عددا من المسائل هي محل نظر، والبحث طويل والتعقيب عليه سيطول أكثر، ولكنني سأختصر وأنطلق مباشرة إلى آخر فقرة من البحث لاتصالها بالنتيجة التي أردتَ الوصول إليها، وهي قولك:
[ QUOTE= الحسن محمد ماديك;51678]
إن المثاني:
{قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}
{وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله}
? وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا ?
وإذا ذكّروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّدا وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون
? والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمّا وعميانا
لتعني أن جميع ذلك غيب منتظر ووعد لم يأت مع تنزّل القرآن على قلب خاتم النبيين محمد وإنما سيتم بعده لدلالة " إذا " الشرطية المتبوعة بالماضي على المستقبل الموعود المنتظر
يبدو أن هذا زبدة ما أردت الوصول إليه
مع أنه يوحي برمزية لأمر لا أدري ما تعني به
وهذه النتيجة عجيبة في تركيبها وألفاظها وموغلة في الرمزية وهذا خلاف البيان والتفصيل الذي جاء به القرآن الكريم.
فإن أردت أن المستقبل الموعود المنتظر لم يأت بعد في الآيات التي سقتها وجمعتها وعزلتها عن سياقاتها فهو باطل قطعاً وهو قول سوء
فقوله تعالى: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّدا وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون}
قد تحقق يقينا، وأول من تحقق فيهم هذا الشرط النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ثم التابعون لهم بإحسان
وصيغة (إذا) تفيد فيما تفيد التكرار، والاسم الموصول يفيد العموم
فالشرط تحقق، ولا يزال يتحقق حتى يأتي أمر الله.
على أن قولك: (لم يأت مع تنزّل القرآن على قلب خاتم النبيين محمد)
فيه شيء من الاحتراز الحذر الذي قد لا يفهمه المتلقي العادي
وهذا الاحتراز لا ينسجم مع قولك قبله: (لتعني أن جميع ذلك غيب منتظر)
وقولك بعده: (وإنما سيتم بعده) لأن السين تدل على الاستقبال
ولذا سأوجه لك سؤالاً صريحاً: هل تم هذا أم لم يتم بعد؟
ولو تأملت الآيات التي سقتها لتبين أن غالبها في بيان صفات إما للمؤمنين أو للكافرين
فمن صفات الكافرين المستهزءين: أنهم إذا علموا من آيات الله شيئا اتخذوها هزوا
وأنهم إذا ذكّروا لا يذكرون، وإذا رأوا آية يستسخرون
وهذا لا يعني أن ذلك لم يقع بعد وأنه غيب منتظر
ومن صفات المؤمنين:
{إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّدا وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون}
{والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمّا وعميانا}
وأولى من تكون هذه صفتهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان
فهم سلف الأمة، وهم خير قرونها، ومن كان على مثل ما هم عليه نجا، ومن اتبع غير سبيلهم ضل ضلالاً بعيداً.
وأما قوله تعالى: {قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}
فلا أدري لم عزلته عن أول الآية وجعلته دليلاً على أمر منتظر موعود وهي في صيغتها جواب وردٌّ على الكفار المعاندين المجادلين بالباطل
والآية بتمامها هي قوله تعالى:
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
وهؤلاء الذين أقسموا هم المخاصمون من قريش كما في تفاسير السلف، وكما يدل عليه قوله: (وأقسموا) وهو فعل ماضٍ، ولو كان ذلك لم يقع لقال: سيقسمون.
ثم قوله: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ)
المعني بقوله: (لا يؤمنون) هم أنفسهم الذين أقسموا
وكل ذلك قد وقع، رأوا الآيات فلم يؤمنوا بها.
¥