تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولئن بدت ملاحظات مهمة؛ فما هي إلا إشارات جاءت تمشي على استحياء من الله العليم الخير الذي يكرم عباده ويدخلهم دائرة المكرَمين فضلا منه وتكرما، فضلا عن تأليف بين قلوب جمعها النصح لله وكفى به عزيزا حكيما؛ وذلك ليتيسر لكم الشروع في تطوير ما أنتم بصدده من تحرير أفكار باتت مغلقة، وتنوير سبيل صد التقليد ولوجه، وسد منافذه تعظيم الأواخر للأوائل، وهو وإن كان مسلكا وسبيلا محكما حمل في طياته ما لا يحتمل، وترك أقوال السلف في منأى من النقد وأدخلها سرادق التعظيم بدعوى كونها أقوال خير القرون، وبلغ المبالغون في تقديسها مبلغا رفعوها به إلى ذروة التشريع وأضحت لهم حجة ودليلا من أدلة الأصول، وما نظرنا إلى قول الحبيب المصطفى " كل بني آدم خطاء " هكذا بصيغة المبالغة.

وحري بي أن أقسم مداخلتي قسمين:

1ـ قسم يتعلق بالشكل دون التعبير؛

2ـ قسم يتعلق بالمضمون والتفسير.

القسم الأول:

بادئ ذي بدء أشير إلى المنهجية المتبعة في بحثكم وقد اعتمدتم المنهجية العلمية لاستكناه المجهول وكشف المعلوم، والمنهجية في حد ذاتها وسيلة لترتيب وتبويب الأفكار؛ لكن أنى تغني عن عطاء ربك؟ من هنا جاء الانحراف الجوهري عن النهج القويم؛ إذ حينما نواجه النور المبين ونور بصيرتنا مسدل ستاره، فأنى للأنوار بفهمها الثر المتدفق أن تنجلي ويخرج شطئها ليغيض الكفار، ويزيد الذين اهتدوا هدى، وتقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله.

علمنا القرآن الكريم من خلال أول آية نزلت المنهجية التي لا ينبغي أن نحيد عنها وهي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]؛ فمن زاوية اقرأ باسم ربك نقرأ آيات القرآن ومنها أيضا نطالع آيات الكون {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50].

ومعلوم من الحديث القدسي " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهديكم" بأنه لا هادي لمن أضله الله، والأصل أننا في الضلال غارقون إلا من أخذ الله بيده وقاده إلى بابه ليكرمه بما جادت به يداه الكريمتان التي تنفق بالليل والنهار كيف يشاء، وأنها أكرمت الأوائل ولا زالت سحاء تمد من يستمد، ففضل الله لا يحجر وليس عليه بواب، يمنع العطاء. والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء وهو ذو الفضل العظيم.

ومعلوم أيضا بأن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بيد الناس، والعلاقة بين الناس والله علاقة عبيد في ذلة وصغار وانكسار قلب بباب رب عظيم وكبير متعاال.

نرى العبيد تسجد لحكام العرب قهرا، ويمد الحكام اليد ذليلة لحكام الغرب في ذلة وصغار، فما بالنا لا نمد يد الضراعة لله في ذل وانكسار ليسد ثلمة جوعتنا ويمدنا بما يغنينا به عن عبيد مثلنا، ومن تواضع لله رفعه؟

والقرآن الكريم نور، وروح وريحان، فمن لم يلمس نوره، ولا أخذته قشعريرة جلده من أثر لمس روحه ولا ذاق طعم ريحه، ما تأهل للكلام والبيان عن رب العالمين؛ إذ هو مقطوع الصلة القلبية بالله، ولا ذاق مناجاة القرآن له ولا إرشاده إياه، فهل يا ترى وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4] إنها إشارة تقول بلسان حالها السير على الطريق بغير إشارات مرجعية ضلال واسم العلي الحكيم الذي أسبغ على كلام الله إشارة إلى تكليمه لخلقه وفق وعده سبحانه وتعالى الذي لا يخلف الميعاد {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51] , وقد يقرأ قارئ هذه الكلمات وتخدش في سويداء قلبه من جراء ما ضرب المتكلمون من سياج حول تكليم الله لخلقه، نعم لا يطعن طاعن في كونه سبحانه وتعالى متكلما، لكن أن يكلم الله بشرا كائنا من كان، دون الأنبياء تلك هي الغرابة عند معظم الخلف والسلف. فهل بان الأمر واتضح، وأستسمح عن هذه الإشارات والتي راعت شأن المخاطب، ومن رغب في التفصيل والتطويل فمرحى وكفى بالله عليما حكيما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير