ما كان لمن يقرأ قوله سبحانه وتعالى: {فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [البقرة: 64] وقوله تعالى: {وََلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 83] وقوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21] بأن ينأى بنفسه عن باب مولاه في ذلة وصغار وانكسار قلب عسى الله السميع العليم أن يجعلنا ممن تزكت نفوسهم، وعكفت على باب ربها تستمد الخير وتمد به العباد. والحمد لله الذي فتح لنا باب رحمته لولوجه وقد يسر لنا أسماءه الحسنى للاستعانة بها: الله تواب حكيم و الله رؤوف رحيم: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10] وقوله تعالى: {ووَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 20].
عودنا فقهاؤنا بالاعتداد بالآراء النيرة واستخلاص دلالاتها باعتماد ضوابط أصول الفقه وقواعدها الفقهية واللغوية، وهو جهد مشكور شكر الله لهم سعيهم، لكن ألا ترى مما سبق أن لا غنى لنا عن ضابط ربانية القلب وإرهاف الحس للفهم عن الله إن رمنا فعلا اقتحام سواء السبيل؟
عزفت كل طائفة في هذا الزمان على وترها الحساس وظنت أنها هي الطائفة الناجية، فمن يتسمون بالسلف يحاربون البدع، والصوفية عزفوا عن الدنيا طلبا لوجه الله، والحركات الإسلامية تزينت بزي السياسة وطلبت تحكيم شرع الله، وخرج رجال التبليغ على الناس دعاة إلى الله، همهم الوحيد تبليغ كلمة الله كيفما استطاع المرء.
وما استطاع مستطيع منهم خرق أسواره الحزبية ليتطلع على فكر الآخر والتفتح عليه وبهذا انفصمت العرى وانحلت العقد وخارت الهمم، وتشبث كل منهم بمفاهيم سطحية للنصوص الشرعية، وكل منهم على جانب من الحق. ولا بد لنا من تكامل يجمع الجميع في سبيل الله الذي لا تنفصم عراه؛ بحيث ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل. وقد اتخذت الأنظمة الحاكمة بأمرها وأمر مستعبديها يدا عند هذه الطائفة أو تلك تستعين بها على طائفة أخرى وفق مبدأ أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
ضاق نظام الطالبان ذرعا بإخوانه من الرباني وشاه مسعود ومن حالفهم، او خالفهم، وخاض معهم حربا لا هوادة فيها، طيلة سنين ظنا منهم أنهم يحاربون من تعاقدوا مع الاستعمار لإجهاض ثمرة نصر الله للأفغانيين في حربهم التحريرية ضد استعمار النظام السوفييتي، وما ذروا أن حربهم كانت مخالفة شرعية أتت بالاستعمار. الأمريكي عقابا من الله للذين يخالفون سننه الكونية منها والقرآنية: فسنن الله لا تحابي أحدا، ولن تجد لها تبديلا ولا تغييرا، ولا تحويلا.
فما جعل الله للكافرين على المؤمنين من سبيل، إلا إذا كان بعضهم يهلك بعضا وبعضهم يسبي بعضا وفق وعده في الحديث القدسي: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن لا يُهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك، وسأله لا يجعل بأسهم بينهم فلم يُعطَ ذلك وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسبي بعضا. ".
فهل تأتى للإخوة وضع اليد على أصل الجرح ليفقهوا سنن الله في كونه وقرآنه لكون سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وليجددوا العزم مع الله في توبة صادقة ويئوبوا إلى رشدهم لعل الله يجعل بعد ذلك أمرا.
وهذا ما يؤهلنا للحديث عن سنن الله القرآنية منها والكونية، أو بعبارة أخرى كيف ننظر من زاوية إقرأ باسم ربك؟ وهي النقطة الثانية التي أسعى لبيانها في الجانب الشكلي، وقبل ذلك لا بد من إثارة أثر النقطة الأولى في كشف ما التبس فيه الفهم في المضمون والتفسير وهذه خلاصة لما تقدم بيانه:
1. ما أردت بيانه مما سبق هو التأكيد على قوله تعالى {َقلَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ} [الأحقاف: 23] و [الملك: 26]؛
2. بأن لا سبيل لبلوغ وإدراك ما عند الله إلا بالاستمداد من فضل خزائن رب عزيز وهاب؛
¥