تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحمد لله الذي جعل النصح له ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. وأشكره شكر من ذاق حلاوة البيان الشافي القريب عهد بربه, وأستلهمه الصواب والرشاد وكفى بالله عليا كبيرا يري آياته للناس وفق وعده {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] وينزل من السماء رزقا وحصر التذكر في المنيبين. وأصلي وأسلم على نبي الهدى محمد بن عبد الله وعلى آله صلاة وسلاما نبلغ بها أقصى الغايات ونخرق بها الأسوار المتسورة على الفهم السديد والرأي الرشيد. والله عليم حكيم يدخل من يشاء في رحمته.

أما بعد؛

تصفحت مقدمة كتابكم " من تفصيل الكتاب وبيان القرآن" ولا أخفي فقد لمسه لقلب قبل أن يلمسه العقل والحمد لله الذي هداكم لهذا البيان ويسر لكم ركوب سبيل على غير ما اعتاده المفسرون، وألهمكم الحكمة في تبليغ ما جئتم به من غير استهانة بمن سلف، ولا نكير على من خالف النهج أو عنه تخلف. فليس في الفكر الإسلامي إقصاء؛ إذ الإقصاء شهادة ميراث للمُقصَى {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5]

ولئن بدت ملاحظات مهمة؛ فما هي إلا إشارات جاءت تمشي على استحياء من الله العليم الخير الذي يكرم عباده ويدخلهم دائرة المكرَمين فضلا منه وتكرما، فضلا عن تأليف بين قلوب جمعها النصح لله وكفى به عزيزا حكيما؛ وذلك ليتيسر لكم الشروع في تطوير ما أنتم بصدده من تحرير أفكار باتت مغلقة، وتنوير سبيل صد التقليد ولوجه، وسد منافذه تعظيم الأواخر للأوائل، وهو وإن كان مسلكا وسبيلا محكما حمل في طياته ما لا يحتمل، وترك أقوال السلف في منأى من النقد وأدخلها سرادق التعظيم بدعوى كونها أقوال خير القرون، وبلغ المبالغون في تقديسها مبلغا رفعوها به إلى ذروة التشريع وأضحت لهم حجة ودليلا من أدلة الأصول، وما نظرنا إلى قول الحبيب المصطفى " كل بني آدم خطاء " هكذا بصيغة المبالغة.

وحري بي أن أقسم مداخلتي قسمين:

1ـ قسم يتعلق بالشكل دون التعبير؛

2ـ قسم يتعلق بالمضمون والتفسير.

القسم الأول:

بادئ ذي بدء أشير إلى المنهجية المتبعة في بحثكم وقد اعتمدتم المنهجية العلمية لاستكناه المجهول وكشف المعلوم، والمنهجية في حد ذاتها وسيلة لترتيب وتبويب الأفكار؛ لكن أنى تغني عن عطاء ربك؟ من هنا جاء الانحراف الجوهري عن النهج القويم؛ إذ حينما نواجه النور المبين ونور بصيرتنا مسدل ستاره، فأنى للأنوار بفهمها الثر المتدفق أن تنجلي ويخرج شطئها ليغيض الكفار، ويزيد الذين اهتدوا هدى، وتقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله.

علمنا القرآن الكريم من خلال أول آية نزلت المنهجية التي لا ينبغي أن نحيد عنها وهي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]؛ فمن زاوية اقرأ باسم ربك نقرأ آيات القرآن ومنها أيضا نطالع آيات الكون {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50].

ومعلوم من الحديث القدسي " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهديكم" بأنه لا هادي لمن أضله الله، والأصل أننا في الضلال غارقون إلا من أخذ الله بيده وقاده إلى بابه ليكرمه بما جادت به يداه الكريمتان التي تنفق بالليل والنهار كيف يشاء، وأنها أكرمت الأوائل ولا زالت سحاء تمد من يستمد، ففضل الله لا يحجر وليس عليه بواب، يمنع العطاء. والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء وهو ذو الفضل العظيم.

ومعلوم أيضا بأن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بيد الناس، والعلاقة بين الناس والله علاقة عبيد في ذلة وصغار وانكسار قلب بباب رب عظيم وكبير متعاال.

نرى العبيد تسجد لحكام العرب قهرا، ويمد الحكام اليد ذليلة لحكام الغرب في ذلة وصغار، فما بالنا لا نمد يد الضراعة لله في ذل وانكسار ليسد ثلمة جوعتنا ويمدنا بما يغنينا به عن عبيد مثلنا، ومن تواضع لله رفعه؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير