تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والقرآن الكريم نور، وروح وريحان، فمن لم يلمس نوره، ولا أخذته قشعريرة جلده من أثر لمس روحه ولا ذاق طعم ريحه، ما تأهل للكلام والبيان عن رب العالمين؛ إذ هو مقطوع الصلة القلبية بالله، ولا ذاق مناجاة القرآن له ولا إرشاده إياه، فهل يا ترى وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4] إنها إشارة تقول بلسان حالها السير على الطريق بغير إشارات مرجعية ضلال واسم العلي الحكيم الذي أسبغ على كلام الله إشارة إلى تكليمه لخلقه وفق وعده سبحانه وتعالى الذي لا يخلف الميعاد {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51] , وقد يقرأ قارئ هذه الكلمات وتخدش في سويداء قلبه من جراء ما ضرب المتكلمون من سياج حول تكليم الله لخلقه، نعم لا يطعن طاعن في كونه سبحانه وتعالى متكلما، لكن أن يكلم الله بشرا كائنا من كان، دون الأنبياء تلك هي الغرابة عند معظم الخلف والسلف. فهل بان الأمر واتضح، وأستسمح عن هذه الإشارات والتي راعت شأن المخاطب، ومن رغب في التفصيل والتطويل فمرحى وكفى بالله عليما حكيما.

ما كان لمن يقرأ قوله سبحانه وتعالى: {فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [البقرة: 64] وقوله تعالى: {وََلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 83] وقوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21] بأن ينأى بنفسه عن باب مولاه في ذلة وصغار وانكسار قلب عسى الله السميع العليم أن يجعلنا ممن تزكت نفوسهم، وعكفت على باب ربها تستمد الخير وتمد به العباد. والحمد لله الذي فتح لنا باب رحمته لولوجه وقد يسر لنا أسماءه الحسنى للاستعانة بها: الله تواب حكيم و الله رؤوف رحيم: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10] وقوله تعالى: {ووَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 20].

عودنا فقهاؤنا بالاعتداد بالآراء النيرة واستخلاص دلالاتها باعتماد ضوابط أصول الفقه وقواعدها الفقهية واللغوية، وهو جهد مشكور شكر الله لهم سعيهم، لكن ألا ترى مما سبق أن لا غنى لنا عن ضابط ربانية القلب وإرهاف الحس للفهم عن الله إن رمنا فعلا اقتحام سواء السبيل؟

عزفت كل طائفة في هذا الزمان على وترها الحساس وظنت أنها هي الطائفة الناجية، فمن يتسمون بالسلف يحاربون البدع، والصوفية عزفوا عن الدنيا طلبا لوجه الله، والحركات الإسلامية تزينت بزي السياسة وطلبت تحكيم شرع الله، وخرج رجال التبليغ على الناس دعاة إلى الله، همهم الوحيد تبليغ كلمة الله كيفما استطاع المرء.

وما استطاع مستطيع منهم خرق أسواره الحزبية ليتطلع على فكر الآخر والتفتح عليه وبهذا انفصمت العرى وانحلت العقد وخارت الهمم، وتشبث كل منهم بمفاهيم سطحية للنصوص الشرعية، وكل منهم على جانب من الحق. ولا بد لنا من تكامل يجمع الجميع في سبيل الله الذي لا تنفصم عراه؛ بحيث ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل. وقد اتخذت الأنظمة الحاكمة بأمرها وأمر مستعبديها يدا عند هذه الطائفة أو تلك تستعين بها على طائفة أخرى وفق مبدأ أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

ضاق نظام الطالبان ذرعا بإخوانه من الرباني وشاه مسعود ومن حالفهم، او خالفهم، وخاض معهم حربا لا هوادة فيها، طيلة سنين ظنا منهم أنهم يحاربون من تعاقدوا مع الاستعمار لإجهاض ثمرة نصر الله للأفغانيين في حربهم التحريرية ضد استعمار النظام السوفييتي، وما ذروا أن حربهم كانت مخالفة شرعية أتت بالاستعمار. الأمريكي عقابا من الله للذين يخالفون سننه الكونية منها والقرآنية: فسنن الله لا تحابي أحدا، ولن تجد لها تبديلا ولا تغييرا، ولا تحويلا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير