تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الحج،63]. وقوله تعالى: ?أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ? [الحج، 65]، ففي الآيتين السابقتين نجد أنه قد تحول عن الماضي "أنزل" و"سخّر" إلى المضارع "يمسك" "فتصبح" واختيرت صيغة الماضي في "سخّر لكم ما في الأرض" و"أنزل من السماء"، وذلك لأن "الرؤية الباعثة على التأمل والاعتبار لا تتعلق بتلك الأحداث بذاتها بل بنتائجها أو آثارها المترتبة عليها" ().

فمحل التأمل في الآية الأولى ليس فعل التسخير نفسه وإنما مظاهر هذا الفعل وآثاره، ومن أهمها إمساك السماء بغير عمد.

بينما جاء التحول إلى المضارع (فتصبح) في الآية الثانية "لِتُثَبِّتَ المشهد عند نقطة مهمة، ينبغي للمتلقي أن يقف عندها ويستحضرها دائماً أمام عينيه" (). وفيه دلالة على "بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان، فإنزال الماء مضى وجوده، واخضرار الأرض باق لم يمض" ().

ومنظر الخضرة في الأرض يشيع البهجة في النفس ويطمئن النفوس على أرزاقها، لذا جاء التعقيب بقوله تعالى: ?إن الله لطيف خبير?، فهو لطيف بعباده، خبير بما يصلح أحوالهم.

الصورة الثانية: التحول عن الفعل المضارع إلى الماضي:

ويرد هذا النوع من التحول في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وفي حين نجد بعض النحاة يجيز عطف الماضي على المضارع أو العكس، نجد آخرين منهم يذهبون إلى تأويل الفعل الماضي في هذه الحالة بالمضارع لينسجم السياق لديهم، فممَّن أجاز العطف مطلقاً الرضي في شرح الكافية بقوله (): "ويعطف الماضي على المضارع وبالعكس، خلافاً لبعضهم، قال تعالى: ?وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ? [الأعراف، 170]، ونحو: ?إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ? [الحج، 25] ".

وممن ذهب إلى التأويل السيوطي (ت 911هـ) ()، إذ يشترط لصحة عطف الماضي على المضارع أو العكس، اتحادهما في التأويل، بأن يكون الماضي مستقبل المعنى ليصح عطفه على المضارع، أو المضارع ماضي المعنى ليصح عطفه على الماضي، فيذهب إلى تأويل الماضي بالمضارع والعكس، وينقل عن السهيلي عدم جواز التعاطف "بين فعل واسم لا يشبهه، ولا فعلين اختلفا في الزمان" ().

وذهب إلى التأويل أيضاً أبو حيان (ت 754هـ) والشهاب الخفاجي (ت1069هـ) والفراء (ت 207هـ) وأبو البقاء العكبري (ت 616هـ)، فمن ذلك مثلاً قوله تعالى r? وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً? [الكهف، 47 - 48]، أي؛ ونحشرهم ويعرضون" ().

ونحو قوله تعالى: ?إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ? [الشعراء، 4]، أي: فتظل" ().

ويذهب بعض الباحثين المعاصرين -كما سبقت الإشارة إليه- إلى "أن وقوع الصيغ المتغايرة في مستوى تركيبي واحد، يعني تفريغ صيغة ما، دون غيرها من الزمن، …، ففي قوله تعالى: ?يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ? [هود، 98]، فالفعل "يقدم" مفرغ من دلالته على الزمن وكذا الفعل "أورد"، وإنما قصد بالأول استحضار صورة الحدث لا غير، وبالآخر تحقق حصول الحدث" ().

ويرى الباحث أنه لا داعي لتأويل الماضي بالمضارع أو العكس، فلو أراد المولى عزوجل أن يرد التعبير بالمضارع أو الماضي لجاء السياق السابق على نحو: "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فتظل أعناقهم لها خاضعين"، ولجاء قوله مصوراً حال فرعون يوم القيامة على نحو" سيقدم قومه يوم القيامة فسيوردهم النار وبئس الورد المورود"، وإنما ورد التعبير القرآني على هذا النحو لدلالة مقصودة فلا داعي للتأويل، فالعطف بين الأفعال المختلفة في الأزمنة وإن لم يظهر بين هذه المتعاطفات تناسب لفظي بموجب الصنعة النحوية فإن بينها تناسب معنوي يقتضيه السياق، وهو مبدأ نهجه البلاغيون في بحثهم للوصل والفصل ().

وقد عني البلاغيون والمفسرون بالإبانة عن دلالات هذا التحول، فيذكر العلوي صاحب الطراز (): "أن إيثار الماضي والتحول إليه يدل على مبالغة في الثوابت والاستقرار".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير