تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومنه قوله تعالى: ?وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى

لِلْمُسْلِمِينَ? [النحل، 89]. جاءت هذه الآية في سياق ذكر بعث الأنبياء والرسل شهداء على قومهم، وخصص خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم بمزيد عناية وتكريم بأن جعله الله عزوجل شهيداً على هذه الأمم كلها، وهو ما ذهب إليه بعض المفسرين ()، ويدل على هذه العناية أيضاً التحول إلى الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم بعد الإخبار عن البعث بالغيبة "وجئنا بك"، والتحول المعجمي عن كلمة البعث إلى المجيء، وفي "إيثار لفظ المجيء على البعث لكمال العناية بشأنه-صلى الله عليه وسلم" (). وفيه التحول الذي نحن بصدده عن الفعل المضارع "نبعث" إلى الماضي "جئنا"، وفي كل ذلك "إشعار بأفضليته صلى الله عليه وسلم على سائر المرسلين، وأفضلية شهادته في هذا اليوم على شهاداتهم، وأنه لهذا وذاك يجاء به شاهداً قبل بعث هؤلاء الرسل في أمهم شهداء" ().

لقد أفاد التحول إلى الماضي في هذا السياق أن الفعل الماضي سابق للمضارع في تحققه وحصوله، فقوله: "وجئنا بك على هؤلاء شهيداً" أي: وجئنا بك شهيداً قبل أن نبعث في كل أمة شهيداً عليهم.

ومنه قوله تعالى: ?إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ? [الممتحنة، 2]، فنجد التحول عن الفعل المضارع الواقع جواباً للشرط "يكونوا ويبسطوا" إلى الماضي "وودّوا".

ويعلل الزمخشري هذا التحول فيقول (): "والماضي وإن كان يجري في جواب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب، فإن فيه نكتة، كأنه قيل: وودّوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم، يعني: أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعاً من قتل الأنفس، وتمزيق الأعراض وردِّكم كفاراً، وردُّكم كفاراً أسبق المضار عندهم؛ لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم؛ لأنكم بذالون لها دونه، والعدو أهم شيء عنده أن يقصد أعزّ شيء عند صاحبه".

وقد بين الزمخشري في هذا السياق نكتة التحول من زاوية النظر إلى عنصر الزمن، وذلك من كون الماضي أسبق في الحصول من المضارع، ونجد بالمقابل السكاكي (ت 626هـ) وأبا السعود (ت 951هـ) وغيرهما يفسرون هذا التحول من زاوية النظر إلى الحدث، فالماضي يدل على تحقق الحدث وحصوله لا محالة، يقول السكاكي (): "وترك يود إلى لفظ الماضي؛ إذ لم تكن تحتمل ودادتهم لكفرهم من الشبهة ما كان يحتملها كونهم -أي يثقفوهم- أعداء لهم، وباسطي الأيدي والألسنة إليهم للقتل والشتم".

ويفيد حرف الشرط (إنْ) الداخل على الفعل المضارع "يثقفوكم" الشك في وقوع الحدث، فظفر الكفار بالمسلمين ليس مؤكداً فهو متوقف على مدى تمسكهم بدينهم قوة وضعفا، وهذا يختلف من حال إلى حال، في حين أن ودادة أعدائهم كفرهم أمر محقق وحاصل في كل حال، سواء قبل الظفر بهم أم بعده، فليس متعلقاً بالشرط ومترتباً عليه، فدل التحول إلى الماضي على تحققه في الحدوث وحصوله سابقاً للشرط والجواب، ولو جاء مضارعاً لأوهم تعلقه بالشرط، فيكون وُدُّ أعدائهم كفرهم أمراً حاصلاً بعد الظفر بهم لا غير، يقول أبو السعود (): "وودّوا لو تكفرون" أي: تمنوا ارتدادكم، وصيغة الماضي للإيذان بتحقق ودادتهم قبل أن يثقفوهم أيضاً".

ونجد أن الآية السابقة لهذه الآية وهي قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ? [الممتحنة، 1]. جاء التعبير فيها عما قد يصدر من المسلمين من ودٍ للكفار بصيغة الفعل المضارع "تلقون إليهم بالمودة"، و"تسرون إليهم بالمودة" وذلك في سياق نهي المؤمنين عن فعل ذلك، في حين ورد التعبير عما يوده الكفار

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير