تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلاقة الثالثة: هي علاقة الماء بالارض، وأحسن بيان لها بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الهدى المشهور "إن مثل ما بعثني الله) عز وجل (به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجاذب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به من الهدى والعلم فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"، هذا الحديث في غاية الوضوح في بيان العلاقة بين القرآن والإنسان،في بيان وجه من وجوه هذه العلاقة: فإذا كانت العلاقة الأولى تقوم بوظيفة الإحياء، علاقة الروح بالجسد والعلاقة الثانية تقوم بوظيفة الرؤيا فتحدت للإنسان الرؤية يبصر حقا الطريق في هذا الظلام الدامس، فإن هذه العلاقة تخصب الإنسان وبها يحدث الفعل الحضاري، قال الله تعالى " وجعلنا من الماء كل شيء حي" الآن ههنا في هذا الحديث، يقول لنا هذا القرآن مثله كمثل غيث والتعبير بالغيث غير التعبير بالمطر، إذ الغيث وظيفته الرحمة "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا و ينشر رحمته وهو الولي الحميد" وأغلب ما ورد – كما نص العلماء – لفظ المطر في القرآن في العذاب "وأمطرن عليهم مطرا فساء مطر المنذرين" والغيث هو اللفظ المفضل في الاستعمال القرآني.

"كمثل غيت أصاب أرض" الناس في علاقتهم بهذا الغيث أصناف ثلاثة صنف هو المختار، وهو المفضل وهو النموذج، هو الصنف الذي يشير صلى الله عليه وسلم في الأخير في قوله "فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به من الهدى والعلم فعلم وعلم" علم "اصاب أرضا فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء" ما رفضت سمحت له بأن يتخلل كيانها، "وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" إذا لم تقبل الماء لن تهتز ولمن تربو، استقبلته، ووعته، وعملت به، ثم أرسلته وبلغته وعلمته بجميع معاني التعلم، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. فهذه أرض طيبة.

والنوع الثاني: أرض ما قبلت الماء، لكن أمسكته، هي الأرض الطينية، النوع الطيني الذي لا يسمح للماء بأن يتخلله. هي ما يوجد في البحيرات، البحيرات هي أماكن تمسك الماء، وليس كالأراضي الزراعية التي تقبله فتنبت الكلأ، لا تستفيد منه لذلك فهي لا تنبت لكن الناس يستفيدون منها، ورغم أنها هي لا تستفيد فالناس يشربون، "فشرب الناس منها وسقوا وزرعوا" فلها فائدة وإن لم تستفد هي، وهذا النوع يحمل القرآن وإن كان هو كالحمار يحمل أسفارا، لكن ما في الأسفار ينتفع به الناس، وإن كان الحمار لا ينتفع.

والنوع الثالث: أرض إنما هي قيعان، نوع قيعان، إذا نزل عليها الماء لا تسمكه أصلا كالأرض في الطائفة الثانية ولا تنبت كالطائفة الأولى، فهي لا تنفع ولا تنتفع.

جلى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المثل بالتلخيص فذلك مثل من فقه في دين الله، ونحن نعلم أن هذا الفقه في الدين هو سر التفعيل، وسر العطاء، الناس معادن، كمعادن الذهب الفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، "فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".

هذا الذي فقه "مثل ما بعثني الله به فعلم وعلم" إذ الرسالة مستمرة، والأمة شاهدة، ووظيفتها الشهادة على الناس، وهذه الشهادة لا تتيسر إلا بالأمرين معا، التعلم والتعليم، و "إنما العلم بالتعلم" كما في الحديث الصحيح ولا بد من تعليم ما يُعلم لتتواصل الأمانة، وتتواصل الشهادة حتى قيام الساعة. فذلك مثل من فقه في دين الله فعَلٍمَ وعلٌم، أما من لم يقبل هدى الله، فمن أين له فقه الدين، حتى ينتظر الناس منه الخير الكثير أو القليل؟

وعليه، فإن المخصِّب لهذا المعدن البشري، ولهذا الصلصال، إنما هو هذا القرآن، هو الذي يخصّبه، فيحدث الفعل الحضاري الصالح، من جنس ما أحدثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدثه الصحابة رضوان الله عليهم من بعده، وأحدثه الجيل الراشد الذي حمل النور في الكرة الأرضية شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، في ظرف قياسي لم تعرفه أمة من الأمم قط.

خاتمة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير