ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[08 Jun 2010, 07:05 ص]ـ
بارك الله فيك أخي أبا الوليد، وقد سعدتُ بمعرفتكم، وكنتُ أظن أبا الوليد التويجري أحد الأحباب الذين يزورونني كثيراً في مسجدي ويسألون عن أمور متفرقة في العلم والأدب والكتب، ولما قرأتُ تعليقك استغربتُ. على كل حال يبدو لي أنك ذلك الشاب الفاضل الذي كان على يميني بقرب الدكتور عمار الددو فحياك الله وبيَّاك، وجمعنا دوماً على خير وبِرٍّ.
وإن كان أسعدك اللقاء فنحن من لقياك أسعد.
وأما الحديث عن البرنامجين الذين عرض الحديث لهما عرضاً، فالأول منهما والأقدم هو برنامج (قول على قول) للأديب الكبير الأستاذ حسن بن سعيد الكرمي، وكان يذاع من القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية لمدة أربعين عاماً آخرها عام 1408هـ تقريباً. وكان اسم البرنامج أول ما بدأ بثه (لكل مقام مقال) ثم غيره إلى (قول على قول) واستمر على ذلك حتى توقف. وقد تربى على ذلك البرنامج جيل من المتأدبين، وقد استمعتُ للكثير من حلقات هذا البرنامج الرائع وكانت تصلنا إذاعة BBC اللندنية بصعوبة بالغة في مدينة النماص جنوب السعودية، بل إن إذاعة السعودية تصلنا بصعوبة فكيف بإذاعة لندن، ولكن كان لدى والدي رحمه الله جهاز راديو لا بأس به يلتقط إذاعة لندن وكانت تلك الإذاعة للناس في ذلك الوقت عندنا كقناة الجزيرة اليوم أو أجود، وكان الناس يتحلقون حول الراديو لسماع مذيعي تلك الإذاعة البريطانية العربية، ومن آخرهم المذيع الشهير ماجد سرحان وغيره. وأذكر مذيعة اسمها سهام الكرمي تبين لي فيما بعدُ أنها بنت الأديب حسن الكرمي. وقد توفي الكرمي قريباً بعد أن جاوز المئة عام، وخلف تراثاً علمياً في القواميس والموسوعات والمعاجم اللغوية، وكتابه في الأدب في 12 مجلداً، وألحق بها مجلدين سماهما (على هامش قول على قول). وقد اشتريت هذا الكتاب منذ صدوره قبل أكثر من عشرين سنة، وانتفعت به وبفوائده واستطراداته الأدبية والتاريخية واللغوية كثيراً، وهو جدير بأن يكون ضمن مكتباتنا جميعاً.
وقد كان يتميز إلقاء الكرمي بالعذوبة والهدوء وعدم التكلف، وتتميز معلوماته بالدقة والتتبع الجيد، وإشباع نَهمة المستمع والسائل، وكان يكرر قوله: وسألني سائلٌ، من القائل وما المناسبة؟ لأنَّ البرنامج كان يتلقى أسئلة الناس في الأدب والشعر ويجيب عنها، وقد ذكر الكرمي أن زايد بن سلطان آل نهيان سأله عن بيت من الشعر لم يعثر على قائله، فلما لقيه الكرمي أعطاه الشيخ زايد بن نهيان 300 ألف جينه استرليني (أكثر من مليوني ريال سعودي) فغلب بذلك أعطيات الخلفاء، وكان الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله من المعجبين بالبرنامج وصاحبه، ولعل ذلك كان سبباً في تشجيعه لعبدالله بن خميس على برنامجه (من القائل) فيما بعد. وليت من يملك تسجيلاً لبعض تلك الحلقات يفيدنا بها هنا فهي من أمتع الهدايا.
وقد أجرى المذيع سامي كليب لقاء مع حسن الكرمي قبل وفاته في الأردن تجدها على هذا الرابط هنا ( http://www.aljazeera.net/NR/exeres/D7780D50-1715-4B8C-B111-387E9D7F7C4C.htm) . وستجد إن لم أكن واهماً قصة محاولة الرئيس المصري جمال عبدالناصر إذاعة برنامج مماثل من إذاعة صوت العرب من القاهرة وإخفاق هذه المحاولة في هذه المقابلة يرويها الكرمي نفسه، حيث كان عبدالناصر مستغرباً - في عِزِّ فورة القومية العربية - أن يذاع مثل هذا البرنامج العربي الرائع من إذاعة بريطانية!
فهذا بعض خبر هذا البرنامج يا أبا الوليد.
وأما البرنامج الثاني فهو لا يقل عنه روعة وجمالاً، وهو للشاعر الأديب عبدالله بن خميس وفقه الله وختم له بخير، وقد كان يذاع من إذاعة الرياض بعنوان (من القائل؟). وسار على غرار برنامج قول على قول، وأظنُّه تأثَّرَ به، ولكنه كان يستقبل الأسئلة في الشعر العربي والنبطي الشعبي معاً ويجيب عنها أجوبة متميزة، وكان يلقي الشعر العربي الفصيح والنبطي بأسلوبه الرائع الهادئ، وبلهجته النجدية الرائقة بكل ظواهرها المعروفة في كتب اللغة.
وأملك الكثير من حلقات هذا البرنامج مسجلةً، ورأيتها بعد ذلك خاليةً من الفواصل الموسيقية التي كانت تتخلله أحياناً، وعهدي بالبرنامج عام 1406هـ، ولا أدري ما الذي جعل الشيخ عبدالله بن خميس يتوقف عنه، فقد كان مائدة أدبية فريدة ننتظرها على إذاعة الرياض انتظاراً، وكم لذلك البرنامج عندي من يد في تذوق الشعر ومحبته، ومعرفة الكثير من شوارد الأبيات ونحن لا نزال صغاراً نعيش في منطقة نائية عن كل شيء لا نَملك من كتب الأدب ولا أنديته شيئاً إلا هذه الحلقات الفريدة في تلك القمم الشاهقة، قمم جبال السروات.
وقد طبع برنامج من القائل أيضاً في عدة أجزاء كبار.
واليوم بالرغم من كثرة وسائل الإعلام إلا أنه لم يأتِ بعد تلك البرامج ما يسد مسدها، ويغني غناءها، ولم يستطع المتخصصون في الأدب العربي وفنونه أن يؤدوا هذا الواجب الذي كان يقوم به حسن الكرمي وعبدالله بن خميس ببرنامجيهما البسيطين في إعدادهما وزمنهما وفكرتهما، ولكنه الصبر والجلد، وعلو الهمة، وامتلاك الموهبة في إقناع الآخرين بمشروعهما جزاهما الله خيراً، وتقبل الله منهما تلك الأعمال يوم الدين.
أكرر شكري لكم يا أبا الوليد على أدبك الجم، وذكرك لبعض ما دار في تلك الجلسة الماتعة بحضوركم وحضور الزملاء في القصيم، وأشكر أخي الدكتور إبراهيم الحميضي الذي رتب هذا اللقاء على عجل وضيق في الوقت، حيث جئتُ لغرض آخر، ولم ير تفويت فرصة اللقاء بالزملاء فكان ما رأيتم وفقكم الله. وأشكر أخي الدكتور عمر المقبل الذي رتب لي أمر تلك الزيارة للقصيم، وقد تشرفتُ بالغداء عنه ذلك اليوم ولقيت عنده أخي وصديقي الدكتور محمد الربيعة وبعض الأحباب الفضلاء من أهل مدينة المذنب رعاهم الله جميعاً، وأكرمهم بالجنة.
¥