[التطور التاريخي لحركة التفسير (محمد بن جماعة)]
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[16 Jul 2010, 10:34 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
التطور التاريخي لحركة التفسير
مرّ تفسير القرآن الكريم (1) في مسيرته التاريخية بأربعة أطوار رئيسية، هي (2): طور التأسيس، وطور التأصيل، وطور التفريع، وطور التجديد. وقد تميز كل طور منها بظروف تاريخية ومزايا منهجية خاصة، نحاول استعراضها في ما يلي.
1 - طور التأسيس:
امتد هذا الطور من عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أواخر القرن الثالث للهجرة. فقد بدأت المرحلة التأسيسية لتفسير القرآن في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم). وأشار القرآن إلى أن إحدى وظائف النبي (صلى الله عليه وسلم) هي بيان القرآن للناس: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل/44).
ولئن نزل القرآن بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم والفصيح من كلامهم، فقد كانت الحاجة للبيان النبوي نابعة بالأساس من التفاوت الطبيعي بين الناس في الفهم، حيث كان يندّ عن بعض الصحابة مدلولات بعض الألفاظ، أو المراد ببعض المفردات أو العبارات. وكان الصحابة إذا التبس عليهم فهم آية من الآيات سألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عنها، فيوضح لهم ما غمض عليهم فهمه وإدراكه. ومن أمثلة ذلك ما ورد عن ابن مسعود: "لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبسُواْ إِيمَانَهُم بظُلْمٍ} الأنعام، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)، وَقاَلُوا: أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): "لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ .. إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَابُنَيّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ".
ولئن ورد خلاف علمي حول ما إذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) فسّر جميع آيات القرآن أو بعضها فقط، فإن ما تم توثيقه من تفسيره (صلى الله عليه وسلم) يعتبر قليلا، وأكثره يندرج ضمن ما يمكن تسميته بـ (التفسير العملي)، بمعنى أنه حين يرد في القرآن مصطلح أو لفظ خاص، مثل الحج أو الصلاة، تأتي أفعال النبي وممارساته مبينة للمراد من هذا الأمر، وليس بالضرورة في هيئة حديث تفسيري. أما ما أثر من أحاديث نبوية في التفسير فلم يتجاوز شرح بعض المفردات والتراكيب.
و أيّا كان الخلاف في ذلك، فلا خلاف في أن تفسير القرآن لم يكن يدوّن في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) كعلم مستقل بذاته، وإنما كان يروى منه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ما كان يتعرض لتفسيره. ولذلك يمكن القول بأن التفسير ولد في أحضان علم الحديث، حيث كانت المرويات المتعلقة بتفسير القرآن تمثل جزءاً أساسياً من كتب الحديث.
وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، تواصلت حاجة الصحابة إلى فهم القرآن وبيانه للناس. وإضافة لاعتمادهم على عدد من الأدوات المساعدة في ذلك (معرفتهم باللغة العربية، ومقارنة الآيات بعضها ببعض، وما نقل عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من أقوال وأفعال، وتدبّرهم الذاتي)، فقد ساعدهم في الفهم معاصرتهم للسياق الاجتماعي، ومعايشتهم لنزول الوحي، ومخالطتهم للنبي (صلى الله عليه وسلم) وتأثرهم به وبطريقة تعامله مع القرآن، إضافة لمعرفتهم بمعهود العرب اللغوي والسلوكي والفكري.
ورغم أن عدد الصحابة كان كبيرا، إلا أن من اشتهر منهم بالتفسير لا يتجاوز العشرة: الخلفاء الأربعة (أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب)، وعبد الله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبدالله بن الزبير (3).
وبالرغم من أن ما صح نقله عنهم ليس كثيرا (4)، إلا أن ثلاثة من بين هؤلاء اشتهرت أقوالهم بسبب صحبة بعض التابعين لهم وتلقيهم العلم عنهم: عبدالله بن عباس، وأبي بن كعب وعبدالله بن مسعود.
ويمكن سوق ثلاث ملاحظات عامة بخصوص تفسير الصحابة للقرآن:
- الملاحظة الأولى: متعلقة بغياب التدوين تقريبا، ويعود ذلك لعدم تفشي ثقافة التدوين والكتابة، والاقتصار في ذلك العهد على تدوين المصحف فقط. ولذلك نقلت أغلب أقوال الصحابة في التفسير للجيل اللاحق شفويا.
¥