تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[حين يتحدث القرآن عن الليل ..]

ـ[عمر المقبل]ــــــــ[04 Jul 2010, 11:44 م]ـ

الحمد لله، ... وبعد: فهذه خطبة استضاءت بنور القرآن، كنتُ خطبتها منذ أكثر من ثلاث سنوات، حرصتُ أن تكون مرتبطة بواقع الناس، محاولاً أن تعالج مشكلةً عمّت وهي السهر المفرط في أمثال هذه الليالي الصيفية، ولا حاجة للتنبيه على أن مقام الخطبة ليس مقام استيعاب، بل هو مقام تذكير وتنبيه، وإلا فالآيات التي تحدثت عن الليل كثيرة جداً، والمؤمن تكفيه آية واحدة، جعلنا الله من المعتبرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، ... وبعد:

فحينما يبدأ موسمٌ كموسم الإجازة،تتنوع الأحاديث،وتختلف ألوان الخطاب، نظراً للنقلة الكبيرة التي تحدثها هذه الإجازة في المجتمع، نقلةً يصل تأثيرها إلى مؤسسات الدولة ..

وماذا عسى الإنسان أن يتحدث أو يقول؟! وما الذي يمكن للخطيب أن يتناوله في مقام كهذا لا يحتمل الناس فيه سوى عدة دقائق؟!

بيد أن هناك عاملاً مؤثراً ـ في كل المواضيع التي تطرح ـ،بل هو السبب في هذه النقلة كلها،والمشاريع المتنوعة برمتها .. إنه عامل الوقت ..

وإذا كان اليوم نصفين: ليل ونهار،فإن لليل النصيب الأكبر من هذه البرامج،ومن سمر الناس،وحديثهم،خصوصاً وأن الإجازة تأتي في ـ بلادنا ـ في حرٍّ لاهب،وصيف لاغب.

ولن يجد المرء أجمل،ولا أحسن،بل ولا أشد وعظاً له،من أن يتأمل كلامَ خالق الليل عن الليل ..

فكم تحدث القرآن عن الليل؟! وكم في حديثه عنه من الوعظ البليغ لمن عقل ذلك!!

1 ـ إن أشرف شيء يمكن أن يذكره الإنسان ـ وهو يتحدث عن الليل ـ أنْ يكون ابتداء نور القلوب،وحياة الأرواح،وطب القلوب الحقيقي في هذا الجزء من اليوم: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)،وليس هذا فحسب،بل أول ما نزل الوحي على كليم الرحمن نزل عليه ليلاً،حينما سمع ربه يكلمه،في الوادي المقدس طوى،قريباً من الشجرة.

2 ـ إنه الزمن الذي أسري فيه بأشرف جسد إلى أعلى مكان! (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ولا تسل عن بركات هذه الإسراء وخيراته،ولو لم يكن من ذلك إلا فرض الصلوات الخمس،لكفى به فضلاً.

3 ـ إنه الليل .. الذي ذاق فيه أهل القرآن لذة مناجاة الله فيه بكلامه!

ألم يستوقفك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6))؟!

ألم تسمع قوله سبحانه: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)؟!.

بل ألم تسمع ذلك العتاب المبطن لمن آتاه الله علماً،ولم يكن له نصيب من الليل: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)؟!.

لقد وجد الصالحون في قديم الزمان وحديثه، هذه اللذة في ترتيل آيات الله،ومناجاته بها،حتى قال قائلهم: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.

وقال آخر: ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة.

ولكن: هل يمكن أن ينال هذه اللذة أناسٌ امتد سهرهم إلى ساعات الفجر في كلام مباح؟!

فضلاً عمّن ضيعوه في محرم من القول والعمل؟!

وهل يمكن أن ينالها من ملأ خزينة أعماله بالنهار في باطل من القول والعمل؟!

قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ س: مَا نَسْتَطِيعُ قِيَامَ اللَّيْلِ، قَالَ: أَبْعَدَتْكُمْ ذُنُوبُكُمْ.

وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ:: إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ فَاعْلَمْ أَنَّك مَحْرُومٌ مُكَبَّلٌ كَبَّلَتْك خَطِيئَتُك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير