تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(الطبري مفسراً) مقالة للأسعد بن مصطفى الدرويش

ـ[المستصفى]ــــــــ[26 Jun 2010, 07:21 ص]ـ

تمهيد:

تجمع كلّ الدراسات بأنّ أواخر القرن الثالث للهجرة وبداية القرن الرابع مرحلة أساسيّة في بروز ملامح التفسير كعلم، وذلك مع ظهور تفسير الطبري، حيث جاء بين مرحلتين هامّتين نزع فيها علم التفسير نزعا من ثنايا كتب الحديث. وأشار الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أنّ تفسير الطبري ساهم في إرساء أسس النظر الفكري في الموروثات والآثار التي يعتمدها التفسير بالمأثور، وتبعا لهذا المجهود بدأت أسس اعتماد التفسير بالرأي تتّسع وتتعاظم، و هو ما ساهم في إلى انقسام أهل التفسير إلى شعبتين، إحداهما تتمسّك بالتفسير بالمأثور، وتتحرّى الأخرى من التزام به.

1 - التعريف بالطبري:

محمد بن جرير الطبري: وهو محمد بن جرير بن يزيد كثير الآملي الطبري، ولد بآمل طبرستان سنة أربع و عشرين ومائتين للهجرة (224هـ) و توفي سنة عشر و ثلاثمائة للهجرة (310هـ) (1). صاحب التصانيف المشهور، استوطن بغداد و أقام بها إلى حين وفاته. يعتبر من أشهر المفسرين على الإطلاق، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظا للقرآن الكريم بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكامه، عالما بالسن و بالرجال من الصحابة و التابعين، و بالتاريخ من أيام النّاس و أخبارهم.

2 - نشأته و تكوينه العلمي:

تنحصر نشأته العلميّة في مرحلتين أساسيتين: المرحلة الأولى بطبرستان حفظ فيها القرآن الكريم و الحديث النبوي الشريف، ثم بدأ رحلاته العلميّة من أقصى المشرق الإسلامي إلى مغربه، ثمّ المرحلة الثانية التي رحل فيها إلى بغداد رغبة في سماع الحديث عن أحمد بن حنبل، و إنتقل إلى واسط ثمّ إلى الكوفة حيث أخذ القراءات عن سليمان الطلحي، و الحديث عن جماعة من أبرزهم أبو كريب محمد ابن العلا الهمداني أحد كبار علماء الحديث، و أخذ عن أعلامها علوم اللّغة. جمع الطبري نواح متعدّدة من فنون العلوم و بلوغ فيها جميعا درجة متسارعة من الإمامة. استطاع حفظ القرآن الكريم في سنّ مبكّرة، و حذق تجويده و قراءاته، فكان عالما بالقراءات و اختلافاتها، حاذقا لأساليب اللّغة العربية و فنونها وهو ما ساعده على الخوض في العديد من القضايا اللّغوية و مباحثها، خاصة بين الكوفيين والبصريين، وهو ما بدا أثره واضحا في تفسيره الذي استعرض فيه بعض المسائل بين اللّغويين، و كثيرا ما كان ينتصر لما أجمع عليه أهل اللّغة أو لما يجاري المنطق و يعضده العقل (2)، نابغا في الحديث وعلومه، له شخصيّة فقهيّة بارزة، استقلّ الطبري بمذهب أسّسه بعد بحث طويل و وجد له أتباعا و مقلّدين، وممّا عرف عنه أنّه كان في بداية أمره شافعّيا و أفتى بالمذهب الشافعي في بغداد عشر سنين، ثمّ انفرد بعد اتساع دائرة فهمه و قدرته الفائقة على الاجتهاد بمذهب مستقل وأقاويل و اختيارات. ترك كتبا كثيرة في الأصول و الفروع، ككتاب البيان عن أصول الأحكام (3).

اعتبر الطبري أبا للتفسير كما أعتبر أبا للتاريخ الإسلامي (4)، حيث ترك كتابا ضخما في التاريخ، يعرب عن رسوخ قدمه و تضلّعه فيه، وهو المعروف بكتاب «تاريخ الأمم و الملوك»، والظاهر حسب ما ورد في هذا الأثر أنّه ألفه بعد التفسير. كل ذلك ساهم في تكوين شخصيّة علميّة مميّزة كانت قادرة على تفسير القرآن الكريم، كما انعكست ملامح شخصيته في ما خلّفه من تآليف كثيرة و متنوّعة تعبّر بجلاء عن قيمته العلميّة ومدى اتّساع مداركه. وكان تفسيره علامة على نضجه العلمي و اتساع معارفه، حيث أشاد به الكثير من العلماء و الباحثين.

3 - تفسيره: جامع البيان عن تأويل آي القرآن:

يعتبر تفسير الطبري أقدم التفاسير أشهرها، فقد نّوّه به العلماء قديما و حديثا، لما اجتمع فيه من تفسير بالمأثور و حسن الاستنباط وسعة الثقافة والمقدرة على الترجيح، فهو أوّل التفاسير بالاعتبار (5). ولعلّ الأهميّة التاريخيّة والصناعيّة لهذا التفسير جعل العلماء يختلفون في عدّه من التفسير بالمأثور أم بالرأي. شهد فيه ابن تيمية قائلا: «التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها، تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنّه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة،و ليس فيه بدعة و لا ينقل عن المتّهمين» (6)، و قال فيه أبو حامد الاسفراييني الفقيه «لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير