[(تنقيح القرآن: لعبة التأويل والنص القرآني!) للكاتب أحمد الحضراوي محمد]
ـ[عبدالكريم عزيز]ــــــــ[12 Jun 2010, 10:24 م]ـ
"تردد مؤخرًا ضمن الحديث عن "التحديث والإسلام" الحديث عما سُمي بـ "تحقيق القرآن" في ندوة عقدت في بيروت 25 - 26 يونيو/2003 ولقيت صدى في تونس، والبعض عبر بـ "تنقيح القرآن"، ويبدو جليًّا اندراج هذه المقولة -أو التقاؤها- ضمن مشروع تحديث الإسلام، ومحاربة ما تسميه الولايات المتحدة بـ "الإرهاب"، فهي تتجه نحو محاولات هندسة المجتمعات لتجفيف منابع الرفض للهيمنة الغربية.
ولعلَّ السيناريو السوداوي الذي كان يتخوف منه إسلاميو الستينيات والسبعينيات عن محاولات تنقيح للقرآن الكريم أصبح الآن سياسة غربية معلنة، فآيات مثل: (وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم)، أو (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)، يراد إلغاؤها أو تنقيحها، وربما تعتبر الآيات التي تحكي ما فعله اليهود من قبيل ما يسمى في الأدبيات السياسية الصهيونية التي تبنَّتها كثير من دول الغرب، بـ "معاداة السامية"، هذا المقال يناقش مقولة "تنقيح القرآن"، ويبين تهافتها مستعينًا ببعض مقولات الهيرمينوطيقا (التأويلية). (المحرر).
لم تتوقف المحاولات عن الارتطام بالجسد القرآني، راغبةً -في كل مرة- بالقضم من معماره اللغوي وزعزعة بِنيته اللسانية؛ فقد كانت دومًا تتغيا تفكيك مكوناته بشكل تدميري من أجل معاودة صياغته طبقًا لمقتضيات اللحظة التاريخية، وشرط التفوق المادي، واختلال موازين القوى. وليست محاولة "تنقيح النص الكريم" المعلنة -مؤخرًا- إبداعًا حداثيًّا، وإنما هي مشروع تاريخي بعيد المدى يجد بذرته التفكيكية في خضمّ الصدامات الحضارية القديمة التي اجتهدت في فصل الوعي الإسلامي عن قواعده القرآنية من خلال إعدام النص المؤسّس، وإبادة معالمه الدلالية.
دوائر ثلاث .. للتصادم مع القرآن
وقد تمنهجت مواقف هذا الانقلاب ضمن ثلاث واجهات:
تعتمد الأولى على كسر انتماء الكتاب الكريم إلى أصالته الأنطولوجية واجتثاثه من حقيقته القدسية؛ لأن الله تعالى ليس موجودًا -كما هو رأي البراجماتيين من بقايا الأيديولوجيات البائدة، وقد تسربلوا بأردية ليبرالية وأقنعة ملائكية-.
والواجهة الثانية تتعلق بالشخص النبوي ذاته. فهو -وفقًا لهذه المنازع القصدية- يمثل مصدرا للانتهاكات؛ لكونه المرسِل التاريخي للحوافز الصدامية، ومختلف شروط العدوان على الآخر!
لكن هذه الأحكام المتعرجة تتعامى عن الماهية الإرسالية للنبوة. فالرسول الكريم جاء يشفّف الصورة الاجتماعية، ويتمم مكارم الأخلاق، وقد كان هذا الحضور التعييني لأهداف النبوة، أساس التواصل الميتافيزيقي ذاته (بين الله والإنسان)، كما جاء في سورة [الأنبياء 108] (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) والرحمة هي فن التجاوز والتسامح مع الآخر. فاقتدر بذلك على صياغة نظام كوني جوهره التعايش والتقارب البشري (إذا ما رجعنا إلى دستور المدينة مثلا)، فأسس بذلك للعالمية التي استقطبت وقتئذ (من623م إلى 633م) كل الحضارات (بما في ذلك المحاربون الرومان الغربيون)، وكل الديانات حتى الاستلابية منها، كتلك الطوائف التي تعبد النار؛ فقال في المجوس: (سُنّوا بهم سنة أهل الكتاب) حتى يمنحهم إطارًا اجتماعيًّا وقانونيًّا يندمجون بموجبه في الحياة العامة. فكانت عالمية النبي وجهًا مشرقًا للتحاور والتقارب، يختلف عن نظام العولمة الفرداني.
وبإزاء القفز على هذه الأحداث، والتقويمات اللاموضوعية للشخص النبوي الشريف، فإن الذات المفكرة تتحير أمام هذا الخلط التاريخي الذي يقفز على كل البداهات المعلومة. ولا أحد يفهم إن كانت أمة الشر هي التي تحب نبيها وتصلي عليه، أم تلك التي تقتل نبيها، ثم تنطلق في رحلة ندب على خطيئتها، لتبشر بالمحبة القاتلة! والسلام المضرج بالدماء!
أما الواجهة الثالثة التي يدار بها التصادم مع القرآن الكريم، فهي السعي إلى خلخلة قداسة هذا النص الكريم؛ إذ هو آرامي وعبراني أو سرياني المنشأ والمنتمى. أي أنه - طبقا لهذه الرؤية - يسوغ انتماؤه إلى أية لغة -ما عدا العربية-!
¥