تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[رؤية حول مفهوم التدرج التشريعي في القرآن الكريم]

ـ[الخطيب]ــــــــ[30 Jun 2010, 06:49 م]ـ

[رؤية حول مفهوم التدرج التشريعي في القرآن الكريم]

تشير مادة " درج " فى معاجم اللغة إلى الترقي شيئاً فشيئا وصولاً إلى غاية محددة.

ومنه يقال كما فى لسان العرب: أدرجت العليل تدريجاً أي: أطعمته قليلاً، وذلك إذا نقه، حتى يتدرج إلى غاية أكله كما كان قبله العلة، درجة درجة، ولأجل ذلك يقال للأرجل: دوارج، حيث انها بها يتم التدرج والتنقل، وفيه جاء قول الفرزدق:

بكى المنبر الشرقى أن قام فوقه خطيب فقيمى قصير الدوارج

وهذا المعنى المذكور هو استعمال القرآن الكريم للكلمة: قال تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} (الأعراف: 182) قيل: معناه سنأخذهم قليلاً قليلاً ولا نباغتهم.

وعلى ذلك فالتدرج هو الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى أعلى منها وأرفع فى الحس أو فى المعنى أو فى كليهما وفى ضوء هذا المعنى قيل لمنازل الجنة درجات من جهة أن بعضها يرتفع فوق بعض أخذاً من الدرجة التى تعنى الرفعة والمنزلة.

وأما التشريع، فيعنى به المناهج والقوانين التى سنها الله تعالى لعباده ليعرفوا بها الأحكام المنظمة لحياة الأفراد فى علاقتهم مع ربهم وعلاقتهم مع بعضهم البعض، وما يتبع ذلك من مبادئ تنظم قانون الثواب والعقاب. ويشمل لفظ التشريع ما كان أصله ثابتا بالقرآن والسنة، وما كان أصله إجماعا أو قياسا.

فالتشريع أعم من الشريعة غير أن المناسب لموضوعنا هذا ما كان أصله الكتاب والسنة نظريةً بالكتاب وتطبيقًا بالسنة لأن التدرج في التشريع بدأ وانتهى في عصر النبوة.

في ضوء ما مضى من تعريف مفردات هذا التركيب أستطيع أن أضع لهذا العنوان أو ذاك التركيب تعريفاً أقول فيه:

إن التدرج التشريعي في القرآن هو عبارة عن التنقل والارتقاء شيئاً فشيئاً في تشريع الأحكام التكليفية المنوط بأدائها المكلفون، توطيناً لنفوسهم، ومراعاة لأحوالهم، من خلال آيات الأحكام فى القرآن الكريم.

هذا هو المفهوم العام لهذا التركيب لدى العامة، وعندي أن التدرج إنما كان بالناس في امتثال التشريع، بمعنى أن القرآن الكريم راعى ظروف المدعوين –وهم الجيل الأول جيل الصحابة- في صعوبة التخلي عما دأبوا على فعله فتدرج بهم على سبيل التربية لأجل أن يسهل عليهم امتثال التشريع.

وهذا الفهم يجرنا إلى السؤال التالي:

هل هو تدرج في التشريع، أو تدرج بالناس في امتثال التشرع؟.

وجهة نظري أن التشريع في القرآن فيما ذكروا أنه قد تدرج فيه، هو ليس تدرجا في التشريع حيث لم يتقلب الحكم بين الأحكام التكليفية الخمسة كلها أو بعضها، ممتطيا سلم الارتقاء وصولا إلى الحكم النهائي، فمثلا تحريم الخمر وهو أبرز مثال للتدرج يسوقه العلماء لم يتقلب فيه التشريع بين الأحكام التكليفية المعروفة، بل إن كل الآيات الواردة فيه تدفع باتجاه منعه الذي قوي شيئا فشئا إلى أن وصل إلى هذا الأمر "فاجتنبوه" في سورة (المائدة:90)

فالتشريع إذن في الخمر، هو المنع لكن التعبير عن هذا المنع اختلف من موطن إلى آخر لتربية الجيل الأول وتدريبه على أمر قد اعتادوه ويشق التخلي عنه دفعة واحدة.

وأيا ما كان فهذا التركيب يشير إلى مبدأً قرآني عظيم تمثل في أن القرآن الكريم لم يأت بتشريعاته جملة واحدة وإنما تدرج بالقوم شيئًا فشيئًا حتى وصل بهم إلى الكمال في التشريع تقول السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ: " إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنى أبدا " أخرجه البخاري.

وقد مضت سنة التدرج بالناس في امتثال التشريع القرآني في ضوء الأطر الآتية:

1 – السكوت عما كان يفعله الكفار فترة من الزمن، ثم إبطاله مرة واحدة كما هو الحال في مسألة إبطال التبني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير