تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اعرف عدوك]

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[26 Jun 2010, 01:58 م]ـ

ضمن عشرات ردود الأفعال على الجريمة التي ارتكبتها حكومة "إسرائيل" ضد ناشطي السلام الدوليين حين قتلت تسعة منهم بدم بارد، كتب خوسيه ماريا أزنار رئيس الوزراء الإسباني السابق مقالاً في جريدة "الصنداي تايمز" البريطانية (17/ 6/2010) بعنوان "ادعموا إسرائيل: فإذا ما انتهت انتهينا جميعاً". ولدى قراءة المقال يعجب المرء أن هذا الشخص نفسه كان يقود مقاليد دولة مهمة مثل إسبانيا خلال الفترة من عام 1996 - 2004، وهو الذي ساهم بارتكاب جريمة قتل مليون مدني عراقي عندما وجه وفد بلاده في مجلس الأمن بتبني سياسات بوش في شن الحرب على العراق، وهو الذي قال حينئذ: "لا يمكن الانتظار بعد اليوم"، وشارك جيشه في ذلك الغزو المخزي والكارثي للعراق، إلى أن أتت حكومة ثاباتيرو الذي سحب القوات الإسبانية من العراق.

لدى قراءة مقال أزنار، يدرك المرء في قرارة نفسه لماذا يعاني المدنيون الأبرياء في هذا العالم المضطرب من القتل، والتهجير، والتشرّد، واللجوء، والفقر .. ذلك لأن من يحكمهم هم من أمثال أزنار، وشارون، وبوش، ونتنياهو الذين يرون الأمور بمنظور لا يمتّ للواقع، أو الحقيقة، أو ضرورات العيش المشترك، والأمن والاستقرار، والسلام بصلة، بل إن كل ما يهمهم هو سفك الدماء، ونشر التعصب، والعنصرية، والأحقاد، والكراهية، والحروب.

يتحدث أزنار عن عالم يسميه "مثالياً" حيث يكون المطلوب من المتطوعين لنقل الغذاء والدواء للمدنيين المحاصرين من قبل حلفائه الإسرائيليين في غزة "الترحيب بالجنود الإسرائيليين سلمياً على متن السفينة". لكنه يتناسى أنه في عالم مثالي لا حاجة للسفينة أصلاً، لأن مثل هذا الحصار المشين الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي بمنتهى الوحشية على المدنيين العزل في غزة يجب ألا يكون موجوداً لو أن السياسيين الغربيين أمثال أزنار يلتزمون بأدنى القيم الأخلاقية، أو مبادئ القانون الدولي الإنساني. ما هو مدهش في مقال أزنار، هو أنه تجاهل وجود الشعب الفلسطيني كلياً، وتجاهل حقوقه في الحرية وحرمانه بقوة السلاح من هذه الحقوق، وتجاهل معاناته اليومية على الحواجز، وتجاهل عذاباته من المجازر والتشريد من أكثر من ستين عاماً، واعتبر أن "إسرائيل" هي التي واجهت "موجة تلو الأخرى من الإرهاب والانتحاريين"، معتبراً الشرق الأوسط "برمته مكاناً للإرهابيين"، وإسرائيل "منارة الغرب التي تدافع عن قيمه" في هذه المنطقة. هل يقول لنا أزنار إن الحصار، وقتل الأطفال، والجدار العنصري، وهدم المنازل، والمجازر ضد المدنيين العزل هي هذه "القيم الغربية" التي تدافع عنها "إسرائيل"، ذلك لأننا في الشرق الأوسط لم نر من "إسرائيل" غير ذلك، وفي كل مرة كانت هناك حرب في الشرق الأوسط كانت "إسرائيل" هي المعتدية حتماً، فأي منارة هذه التي تطل على بحر الدماء، والقمع، والاضطهاد؟

الأمر الوحيد المقلق للسيد أزنار، هو أن المنطقة مهمة لأمن الطاقة للغرب، وذلك بسبب اعتماد الغرب على النفط الشرق أوسطي. أما شعوب هذه المنطقة، مسلمين ومسيحيين، فهم غير موجودين على الإطلاق في عقل أزنار. فمع أن "إسرائيل"، كما يقول، تقع في هذه المنطقة، إلا أنها "تشكل جزءاً أساسياً من الغرب، والغرب هو ما هو عليه اليوم بسبب جذوره المسيحية واليهودية". لقد نسي السيد أزنار أن جذور المسيحية واليهودية هي في الشرق الأوسط، وأن المسيحية انطلقت من دمشق على يد بولس الرسول، حيث كان المسيحيون مضطهدين في أوروبا الوثنية، وكانت الإمبراطورة جوليا دومنا السورية تحمي العاملات المسيحيات من الاضطهاد في روما!!

ما يقلق في مقال أزنار، هو بركان العنصرية الذي يقذف بالكراهية التي تغطي كل سطور المقال. وهو حين يضع المسيحيين واليهود وكأنهم في عداء تاريخي مع المسلمين يمارس مغالطة مفضوحة، فكيف يفسر إذاً رغبة حكومة "إسرائيل" المتطرفة بصبغ دولتها بالصبغة اليهودية فقط، وتهجير مسيحيي فلسطين الذين كانوا يمثلون قبل قيام "إسرائيل" نسبة مهمة في فلسطين، وأصبحوا اليوم بضعة آلاف نتيجة سياسة التهجير المتعمد لهم، من السكان؟ وها هي هذه العنصرية تعبّر عن نفسها داخل "إسرائيل"، حيث يرفض اليهود الغربيون الجلوس مع اليهود الشرقيين لأنه حين تنشر "إسرائيل" وأصدقاؤها العنصرية الشنيعة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير