[أبعاد (حتى يغيروا ما بأنفسهم)]
ـ[أحمد قطشة]ــــــــ[23 Jun 2010, 07:25 ص]ـ
تحدثنا في مقال سابق (الإسلام المهنة، والنفع، ومآذن سويسرا) عن أن الإسلام هو عمل ومهنة وليس دين فقط، والمطلوب ممن يعمل به أن يتحمل مسؤوليته التي سيسأله الله عنها، وإستقينا هذا الفهم من قوله عليه الصلاة والسلام: (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فلكل واحد منا مسؤوليته التي يجب أن يهتم بها، وقلنا حينها أن هذه المسؤولية تنبع مما إستخلفه الله في كل فرد منا، من قدرات وميزات، يعتقد أنه متفوقٌَ بها على الآخرين، وقلنا إن هذا هو مجال الإستخلاف لكل فرد، وهو مجال المسؤولية المناطة به.
لكن ماهي المحصلة النهائية لهذا الإستخلاف، أعني إستخلاف الأفراد وبالتالي إستخلاف الأمة، أليست هي إقامة الدين وتحقيق النهضة الإنسانية وتقديم النموذج الحقيقي الذي إختاره رب العالمين ليكون النموذج الخاتم، وبالتالي تكون نهضة الأمة، هي إحدى إنعكاسات هذا الإستخلاف، وهذا الإستخلاف هو إحدى إنعكاسات النهضة، فالنهضة والإستخلاف، مترافقان، وأزعم أن النجاح في أحدهما يستلزم النجاح في الآخر.
ما أريد قوله هو أن الإستخلاف هو عملية تراكمية، لن تحدث فجأة، تماماً كالنهضة، فهما لن يحدثا بين يوم وليلة، ولا يجب أن نتوقع أو أن نطلب من رب العالمين أن يقول سبحانه: كن…فيكونا، هكذا بدون مقدمات، وبدون جهد منا، فهما لا ينشأن بمعجزة أو واقعة طارئة، فزمن المعجزات إنتهى منذ بعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
وبالتالي أيها الأحبة، فلا يخفى عليكم حال الأمة اليوم، وتعرفون أن مع كثرة المتأسفين على حالها، قد نجد حلولاً تتجاوز هذا العدد، تتراوح بين المعقول واللامعقول، بين إعادة إختراع العجلة، وبين تقديم حلول إبداعية حقيقة، بين تجريب المجرب (أياً كان)، وبين الحرص على إستنباط حل مناسب وواقعي لحال الأمة اليوم، وليس حلاً كان مناسباً في مرحلة ما، أو نافعاً لأمة ما.
والملفت للنظر أن الجميع، أو الأغلب الأعم، تراه متفقاً على مركزية قوله تعالى (حتى يغيروا ما بأنفسهم) كقاعدة أساسية وجوهرية نحو التغيير والإصلاح المنشود.
لكن، هل أدركنا فعلاَ الأبعاد الحقيقية لهذه الآية، وهل هناك حلول عملية جماعية يقتضيها هذا التغيير "بالنفس"، أم أن التغيير يبقى محصوراً في إطار المواعظ العامة والأخلاق، وزيادة الصلاة والصوم وسائر العبادات الأخرى.
بطبيعة الحال، لا ندعي في هذه المحاولة أننا سنحيط بكل جوانب هذه الآية، فهذا إدعاء، فضلاً عن عدم جوازه شرعاً، لا نملك أن نطلقه على أنفسنا، ليس تواضعاً لكن إعترافاً بمدى قصور إدراكنا ومعرفتنا عن إحاطتها بكلمات الله، وحسبنا في هذه الوقفة أن نتعرض لفكرة أو إثنتين تتعلقان بهذه الآية، والفكرة المباشرة أن التغيير يبدأ بالنفس.
قبل أن نشرع في ذلك، أحب أن أوضح أنه في القرآن الكريم، نجد محورين لبناء النفس الإنسانية، أو لبناء الإنسان:
المحور الأول: بناء ذاتي أو رأسي أو فردي، دعامته الأساسية إقامة الشعائر وأدائها، والحفاظ على الأخلاق، والدليل على ذلك كل تلك الآيات المبثوثة في القرآن عن العبادات.
لكن هذا لم يكن كافياً لبناء الإنسان، فالإنسان المسلم تحديداً يتحرك في إطار الجماعة، ومسؤوليته تتجاوز دائماً بناءه الذاتي، لتصل لبناء الجماعة، وهذا هو المحور الثاني لبناء الإنسان في القرآن، أو المحور الأفقي، أما دليله، فهو أنك لا تجد في القرآن الكريم آية واحدة تقول يا أيها المسلم أو المؤمن.
قد يتبادر للذهن هنا، أن المطلوب أن تتحول إقامة الشعائر أو إصلاح الأخلاق لتصبح على مستوى الجماعة بدلاً من حصرها على مستوى الفرد، ولا شك أن هذا مطلوب وواجب، لكنه ليس كل المطلوب وليس كل الواجب.
هنا يأتي قوله تعالى (حتى يغيرواما بأنفسهم) ...
منذ فترة وأنا أفكر في هذه الآية وأسأل نفسي: لماذا لم يقل عز وجل حتى يغيروا ما في أنفسهم، بل قال ما بأنفسهم؟؟
¥