[نقاش حول دلالة قوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) على تحريم الغناء]
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[08 Jul 2010, 11:44 ص]ـ
" {لهو الحديث}
الحمد لله حق حمده، وصلى الله وسلم بارك على نبيه وعبده، وبعد،،،
فإن أقوى أدلة المحرمين للغناء، والمعازف، وأكثرها اشتهارا عندهم، قول الله تعالى في سورة لقمان {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم} قالوا إن ابن مسعود وابن عباس، رضي الله عنهما، قالا: إن لهو الحديث هو: الغناء.
ولكي نصل إلى معنى الآية بوضوح، فإنه يجب أن ننظر في الآية بحيادية غير مسبوقة بمذهب أو رأي. وسأبين لك ذلك في نقاط، حتى يسهل استيعاب ما أريد إيضاحه:
· يقول جل وعلا: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه! فالحجة من الله تبلغنا بسماع كلامه، لا بتفسيره، وفي كثير من الأحيان يحبس المرء في نطاق قول من سبق، وآراء تجعل القرآن جامدا، لا يواكب العصور! إذ إنها تزعم أني لا أستطيع، وكذا أي مسلم عربي، لا يستطيع أن يفهم كلام الله إلا عن طريق عالم!!! ولا يمكنه أن يعي ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق عالم!!!
· إن من أخطاء التفسير أن تؤخذ الكلمة من سياقها، ويبنى الحكم على ذلك، فلو قرأت قوله تعالى {فويل للمصلين} ووقفت، كان المعنى تهديدا للمصلين ووعيدا، ولا ريب أن هذا عكس المراد تماما، فلا يستقيم المعنى إلا بإكمال الآية بعدها ليتضح أن المراد صنف من المصلين، وهم الذين جاء وصفهم في الآيتين بعدها، فالآية مرتبطة بالآيتين، لا تنفك عنهما، فتأمل.
· وكذا قوله تعالى {لا تقربوا الصلاة} فإن المعنى لا يستقيم إلا بإكمال الآية {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} فأصبح النهي عن حالة معينة لا عن قرب الصلاة بالكلية.
· وكذا لو قرأت قوله {ذق إنك أنت العزيز الكريم} فقد تفهم منه التكريم وحسن الوفادة، فلا يتضح المعنى ـ ولا يظهر المراد من التوبيخ والإهانة إلا بالآيتين قبلها {خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم، ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم، ذق إنك أنت العزيز الكريم} وكذا بالآية بعدها {إن هذا ما كنتم به تمترون}.
· سورة لقمان مكية، وكل آية يستدلون بها في تحريم الغناء مكية، وهذا من العجيب، وقد أقر الشيخ عبدالعزيز الطريفي بذلك فقال في كتابه (الغناء في الميزان): وقد حرمه الله على عباده في مكة، وهذا يدل على عظم خطر الغناء، وأثره على العباد.
· قلت: وهذا من أعجب ما قرأت، ومن أكبر الأدلة على أن القوم يرددون ما قال الأوائل هكذا، دون أن يعملوا عقولهم، وهذا هو الذي دعاني لقول ما قلت من ترديدهم مقولة الكافرين، وهم لا يشعرون: إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون.
· فتأمل معي يا رعاك الله، كيف يحرم الله تعالى المعازف في مكة، ويترك تحريم الخمر التي هي أم الخبائث إلى ما بعد الهجرة بزمن طويل، ويتدرج في تحريمها، إلى وقت نزول سورة المائدة، وقد قيل إن تحريم الخمر نزل بعد أحد. فكيف لا تحرم الخمر إلا في المدينة وينزل تحريم المعازف في مكة؟ ألهذا بلغت الخطورة في المعازف على الدين، فهل حرمت المعازف في الديانات الأخرى، فكيف تكون المعازف أشد حرمة من الخمر والزنا، ثم لا تحرم بنص قاطع مثلهما؟ وكيف يلعن في الخمر عشرة ولا يلعن المغني؟
· إلا إن قالوا إن المعازف، أو الغناء بالأحرى لأن تفسير الصحابة على الغناء لا على المعازف، إنه أشد خطرا على القلوب من الخمر، وأشد فتكا بالأعراض من الزنا؟
· ومن أعجب ما يمكن أن يقال إن المحرمين للمعازف، يستدلون بهذه الآية في تحريم الغناء، وعلى حديث أبي مالك في تحريم المعازف، ومن الدلالات على التحريم في حديث أبي مالك قولهم: إنه قرن المعازف مع المحرمات، فدل على تحريمها، فانقلبوا على أنفسهم، إذ إن المفترض أن يكون العكس، فلما حرم الله الغناء والمعازف في مكة كما يزعمون، فإن اقتران الخمر بها هو المفترض أن يكون دليلا على تحريمها، لكنهم هنا جعلوا تحريم الخمر دليلا على تحريم المعازف، لأن تحريم الخمر لا جدال فيه، وكذا الزنا، وكذا الحرير على الرجال. مع أن دلالة الاقتران ضعيفة عند الأصوليين.
¥