تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مصطلح التأويل]

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[10 Jun 2010, 06:01 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[مصطلح التأويل]

الحمد لله رب العالمين, والصلاةُ, والسلامُ على رسول الله, وعلى آله, وأصحابه أجمعين, وبعد:

فإن من أهم المصطلحات التي اختلف الناس في فهمها قديماً، وحديثاًً, مصطلح التأويل. وانبنى على هذا الاختلاف اختلافٌ في فهم النصوص المتعلقة بباب العقائد، عموماً، والأسماء والصفات خصوصاً.

ويظهر أثر الخلاف حين يتناول مختلف الفرقاء لفظ (التأويل) في آية آل عمران: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 7]

وقد وُفِّق شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- إلى التمييز بين استعمالاته المختلفة، فقال:

"فَإِنَّ لَفْظَ التَّأْوِيلِ قَدْ صَارَ بِتَعَدُّدِ الِاصْطِلَاحَاتِ مُسْتَعْمَلًا فِي ثَلَاثَةِ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ, مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ: أَنَّ التَّأْوِيلَ هُوَ: "صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ الِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ؛ لِدَلِيلِ يَقْتَرِنُ بِهِ"

وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَنَاهُ أَكْثَرُ مَنْ تَكَلَّمَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَأْوِيلِ نُصُوصِ الصِّفَاتِ, وَتَرْكِ تَأْوِيلِهَا؛ وَهَلْ ذَلِكَ مَحْمُودٌ, أَوْ مَذْمُومٌ, أَوْ حَقٌّ, أَوْ بَاطِلٌ؟.

الثَّانِي: أَنَّ التَّأْوِيلَ بِمَعْنَى التَّفْسِيرِ, وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُفَسِّرِينَ لِلْقُرْآنِ, كَمَا يَقُولُ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَمْثَالُهُ - مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي التَّفْسِيرِ - وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ التَّأْوِيلِ, وَمُجَاهِدٌ إمَامُ الْمُفَسِّرِينَ؛ قَالَ الثَّوْرِيُّ: " إذَا جَاءَك التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُك بِهِ " وَعَلَى تَفْسِيرِهِ يَعْتَمِدُ الشَّافِعِيُّ, وَأَحْمَدُ, وَالْبُخَارِيُّ, وَغَيْرُهُمَا, فَإِذَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ؛ فَالْمُرَادُ بِهِ مَعْرِفَةُ تَفْسِيرِهِ.

الثَّالِثُ مِنْ مَعَانِي التَّأْوِيلِ: هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي يُؤَوَّلُ إلَيْهَا الْكَلَامُ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ((هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)) [الأعراف 53]. فَتَأْوِيلُ مَا فِي الْقُرْآنِ؛ مِنْ أَخْبَارِ الْمُعَادِ هُوَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِيهِ مِمَّا يَكُونُ: مِنْ الْقِيَامَةِ, وَالْحِسَابِ, وَالْجَزَاءِ, وَالْجَنَّةِ وَالنَّار, ِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ, لَمَّا سَجَدَ أَبَوَاهُ, وَإِخْوَتُهُ قَالَ: ((يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ)) [يوسف 100]. فَجَعَلَ عَيْنَ مَا وَجَدَ فِي الْخَارِجِ هُوَ تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا. والثَّانِي: هُوَ تَفْسِيرُ الْكَلَامِ, وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي يُفَسَّرُ بِهِ اللَّفْظُ, حَتَّى يُفْهَمَ مَعْنَاهُ, أَوْ تُعْرَفَ عِلَّتُهُ, أَوْ دَلِيلُهُ, وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ هُوَ عَيْنُ مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ, وَمِنْهُ:

- قَوْلُ عَائِشَةَ: ((كَانَ النَّبِيُّ, صلى الله عليه وسلم, يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي)) يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ يَعْنِي قَوْلَهُ: ((فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ)) [النصر 3].

- وَقَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة:" السُّنَّةُ هِيَ تَأْوِيلُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ"

فَإِنَّ نَفْسَ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ: هُوَ تَأْوِيلُ الْأَمْرِ بِهِ وَنَفْسَ الْمَوْجُودِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ هُوَ تَأْوِيلُ الْخَبَرِ, وَالْكَلَامُ خَبَرٌ وَأَمْرٌ, وَلِهَذَا يَقُولُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ: الْفُقَهَاءُ أَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ كَمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ؛ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ يَعْلَمُونَ تَفْسِيرَ مَا أَمَرَ بِهِ, وَنَهَى عَنْهُ؛ لِعِلْمِهِمْ بِمَقَاصِدِ الرَّسُولِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا يَعْلَمُ أَتْبَاعُ بقراط وَسِيبَوَيْهِ وَنَحْوِهِمَا, مِنْ مَقَاصِدِهِمَا مَا لَا يُعْلَمُ بِمُجَرَّدِ اللُّغَةِ؛ وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ, بِخِلَافِ تَأْوِيلِ الْخَبَرِ. [1]


_
[1] مجموع الفتاوى - (3/ 57,56,55).

المصدر:موقع العقيدة والحياة ( http://http://www.al-aqidah.com/?aid=show&uid=s7viohqp)
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير