تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كانت صحوة ثمّ انتكست وارتكست بتفشّي الباطل وتنحّي أصحاب الدّعوات المباركين المتجرّدين إلى الصّفوف الخلفيّة أو في غيابات الجبّ، ثمّ عادت راشدة تعرف طريقها على بصيرة، وبوصلتها الرّبّانيّة تهديها سبلها.

هذه هي المقدّمة .. وهذا هو الطّريق: غشيان الّناس في أنديتهم وحاناتهم وأماكن تجمّعاتهم.

چ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ المدثر: 1 - 7

ورحم الله "صاحب الظّلال"، وأنزله وإيّانا منازل الصّديقين والشّهداء وحسن أولئك رفيقاً- حين يقول في ظلال الآيات الكريمة:

[إنّه النّداء العلويّ الجليل, للأمر العظيم الثّقيل. . نذارة هذه البشريّة وإيقاظها, وتخليصها من الشّرّ في الدّنيا, ومن النّار في الآخرة; وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان. . وهو واجب ثقيل شاقّ, حين يناط بفرد من البشر -مهما يكن نبيّاً رسولاً- فالبشريّة من الضّلال والعصيان والتّمرّد والعتوّ والعناد والإصرار والالتواء والتفصّي من هذا الأمر, بحيث تجعل من الدّعوة أصعب وأثقل ما يكلّفه إنسان من المهامّ في هذا الوجود!

چ ھ ھ ے ے ? ?چ. والإنذار هو أظهر ما في الرّسالة, فهو تنبيه للخطر القريب الّذي يترصّد للغافلين السّادرين في الضّلال وهم لا يشعرون. وفيه تتجلّى رحمة الله بالعباد, وهم لا ينقصون في ملكه شيئاً حين يضلّون, ولا يزيدون في ملكه شيئاً حين يهتدون. غير أنّ رحمته اقتضت أن يمنحهم كلّ هذه العناية ليخلصوا من العذاب الأليم في الآخرة, ومن الشّرّ الموبق في الدّنيا. وأن يدعوهم رسله ليغفر لهم ويدخلهم جنّته من فضله!

ثمّ يوجّه الله رسوله في خاصّة نفسه بعد إذ كلّفه نذارة غيره:

يوجّهه إلى تكبير ربّه: چ ? ? ? چ. . ربّك وحده. . فهو وحده الكبير, الّذي يستحقّ التّكبير. وهو توجيه يقرّر جانباً من التّصوّر الإيمانيّ لمعنى الألوهيّة, ومعنى التّوحيد.

إنّ كلّ أحد, وكلّ شيء, وكلّ قيمة, وكلّ حقيقة. . صغير. . والله وحده هو الكبير. . وتتوارى الأجرام والأحجام, والقوى والقيم, والأحداث والأحوال, والمعاني والأشكال; وتنمحي في ظلال الجلال والكمال, لله الواحد الكبير المتعال.

وهو توجيه للرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ليواجه نذارة البشريّة, ومتاعبها وأهوالها وأثقالها, بهذا التّصوّر, وبهذا الشّعور, فيستصغر كلّ كيد, وكلّ قوّة, وكلّ عقبة, وهو يستشعر أنّ ربّه الّذي دعاه ليقوم بهذه النّذارة, هو الكبير. . ومشاقّ الدّعوة وأهوالها في حاجة دائمة إلى استحضار هذا التّصوّر وهذا الشّعور.

ويوجّهه إلى التّطهّر: چ ? ? ? چ. . وطهارة الثّياب كناية في الاستعمال العربيّ عن طهارة القلب والخلق والعمل. . طهارة الذّات الّتي تحتويها الثّياب, وكلّ ما يلمّ بها أو يمسّها. . والطّهارة هي الحالة المناسبة للتّلقّي من الملأ الأعلى. كما أنّها ألصق شيء بطبيعة هذه الرّسالة. وهي بعد هذا وذلك ضروريّة لملابسة الإنذار والتّبليغ, ومزاولة الدّعوة في وسط التّيّارات والأهواء والمداخل والدّروب; وما يصاحب هذا ويلابسه من أدران ومقاذر وأخلاط وشوائب, تحتاج من الدّاعية إلى الطّهارة الكاملة كي يملك استنقاذ الملوّثين دون أن يتلوّث, وملابسة المدنّسين من غير أن يتدنّس. . وهي لفتة دقيقة عميقة إلى ملابسات الرّسالة والدّعوة والقيام على هذا الأمر بين شتّى الأوساط, وشتّى البيئات, وشتّى الظّروف, وشتّى القلوب!

ويوجّهه إلى هجران الشّرك وموجبات العذاب: چ ? ? ? چ. . والرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كان هاجراً للشّرك ولموجبات العذاب حتّى قبل النّبوّة. فقد عافت فطرته السّليمة ذلك الانحراف, وهذا الرّكام من المعتقدات الشّائهة, وذلك الرّجس من الأخلاق والعادات, فلم يعرف عنه أنّه شارك في شيء من خوض الجاهليّة. ولكنّ هذا التّوجيه يعني المفاصلة وإعلان التّميّز الّذي لا صلح فيه ولا هوادة. فهما طريقان مفترقان لا يلتقيان. كما يعني التّحرّز من دنس هذا الرّجز -والرّجز في الأصل هو العذاب, ثمّ أصبح يطلق على موجبات العذاب -تحرّز التّطهّر من مسّ هذا الدّنس!

ويوجّهه إلى إنكار ذاته وعدم المنّ بما يقدّمه من الجهد, أو استكثاره واستعظامه: چ ? ? ? ? ? ? ? چ. . وهو سيقدّم الكثير , وسيبذل الكثير , وسيلقى الكثير من الجهد والتّضحية والعناء. ولكنّ ربه يريد منه ألا يظلّ يستعظم ما يقدّمه ويستكثره ويمتنّ به. . وهذه الدّعوة لا تستقيم في نفس تحسّ بما تبذل فيها. فالبذل فيها من الضّخامة بحيث لا تحتمله النّفس إلا حين تنساه. بل حين لا تستشعره من الأصل لأنّها مستغرقة في الشّعور بالله ; شاعرة بأنّ كلّ ما تقدّمه هو من فضله ومن عطاياه. فهو فضل يمنحها إياه, وعطاء يختارها له, ويوفّقها لنيله. وهو اختيار واصطفاء وتكريم يستحقّ الشّكر لله. لا المنّ والاستكثار.

ويوجّهه أخيراً إلى الصّبر. الصّبر لربّه:چ? ? ? چ. . وهي الوصيّة الّتي تتكرّر عند كلّ تكليف بهذه الدّعوة أو تثبيت. والصّبر هو هذا الزّاد الأصيل في هذه المعركة الشّاقّة. معركة الدّعوة إلى الله. المعركة المزدوجة مع شهوات النّفوس وأهواء القلوب; ومع أعداء الدّعوة الّذين تقودهم شياطين الشّهوات وتدفعهم شياطين الأهواء! وهي معركة طويلة عنيفة لا زاد لها إلا الصّبر الّذي يقصد فيه وجه الله, ويتّجه به إليه احتساباً عنده وحده.]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير