وقد تم جزم الأفعال الواقعة في جواب فعل الأمر الواقع في موضع الشرط.
إن قوله ? واتقوا الله ويعلمكم الله ? لمتفق على قراءته برفع الفعل ? ويعلمكم ? والمعنى اتقوا الله والله يعلمكم ما تتقونه به من الأحكام والتشريع أي أن الله لم يكلف العباد بتقواه كما يتصوره كل واحد منهم ويتخذه دينا لنفسه وإنما الله يبيّن لهم ما يتقونه به وهو مما يعلمهم إذ نزل من عنده في الكتاب وكما في قوله ? وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون ? التوبة 115.
وقوله ? واتقوا الله ويعلّمكم الله ? في آخر آية الدّين، وقد علّم الله المسلمين فيها وفي ما قبلها من الأحكام والتكاليف الفردية والجماعية وفي سائر الكتاب ما يتقون ـ بامتثال مأموراته واجتناب منهياته ـ عذابه وعقابه.
ولا يخفى أن قوله ? ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه الله ? في أول آية الدّين لمن المثاني مع قوله ? ويعلمكم الله ? في آخر آية الدين إذ ما كلّف به الكاتب من الأمانة والنقل وأن يأتي بالشهادة على وجهها هو مما علّمه الله في الكتاب كذلك:
أما الأول ففي قوله ? ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ? الإسراء 36.
وأما الثاني ففي قوله ? ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ? المائدة 108 وقوله ? كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ? النساء 135 وقوله ? كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ? المائدة 8.
وإن من تفصيل الكتاب المنزل أن ما علّم ربنا ملائكته ورسله وأنبياءه هو ما خصوا به من العلم فعلموه تعلما خارقا معجزا من غير كسب منهم وتلك دلالة المثاني:
ـ ? قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا ? البقرة 32
ـ ? وعلّم آدم الأسماء كلها ? البقرة 31
ـ ? وإنه لذو علم لما علّمناه ? يوسف 68
ـ ? ذلكما مما علّمني ربي ? يوسف 37
ـ ? فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما ? الكهف 65
ـ ? وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ? النمل 16
وتعني أن ربنا علّم الملائكة من غير كسب منهم ولا جهد وكذلك علّم آدم ويعقوب ويوسف والخضر وداوود وسليمان وسائر الرسل والنبيين.
وأما قوله ? وأعلم من الله ما لا تعلمون ? الأعراف 62 من قول نوح، وفي يوسف 86 من قول يعقوب فيعني أن كلا منهما علم من الله بالوحي إليه ما لم يعلمه غيره، فيعقوب قد علم بالوحي أن أولاده كاذبون في زعمهم أن الذئب قد أكل يوسف وعلم بالوحي أنه سيجتمع بيوسف وأن الله سيتم نعمته عليه وعلى أولاده رغم ما سلف منهم مع أخيهم يوسف.
وإن قوله:
ـ ? ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ? البقرة 107 المائدة 40
ـ ? ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض ? الحج 70
ليعني أن النبي ? قد نزّل عليه من قبل في الكتاب مثله فعلمه بالكتاب المنزل عليه.
وإن قوله ? ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم ? التوبة 63 ليعني أن قد نزل مثله من قبل في الكتاب كما في قوله ? إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين ? المجادلة 5 وهكذا فحرف المجادلة قد نزل قبل حرف التوبة.
وإن قوله ? ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم ? التوبة 104 ليعني أن قد نزل في الكتاب من قبل مثل جميع ذلك كما في قوله ? وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ? الشورى 25 وكما في قوله ? خذ من أموالهم صدقة ? التوبة 103 ولقد نزل في أكثر من حرف قبل سورة التوبة أن الله هو التواب الرحيم.
وإن قوله ? ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب ? التوبة 78 ليعني أن الكتاب من قبل قد تضمن مثل ذلك كما في قوله ? ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ? المجادلة 7.
وإن قوله ? أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ? الزمر 52 ليعني أن الناس قد علموا من قبل ذلك رأي العين كما في قوله ? أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ? الروم 37 ويعني حرف الزمر كذلك أن مثل ذلك قد نزل من قبل في الكتاب كما في قوله ? قل إن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون ? سبأ 36 ويعني أن حرف الزمر تأخر نزوله عن الحرفين.
وسيأتي مزيد من التفصيل والبيان.
طالب العلم
الحسن محمد ماديك