تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبرهان استحالة اعتراء شيء منهما له عز وجل أنهما ليسا من شأن ذاته العلية وصفاته القدسية؛ وذلك لقِدَمِها وتعاليها عن النقص والتغيُّرِ والحدوث، ولكون السِّنَة والنوم آفَةٌ، والحقُّ عز وجل متعال عن الآفات؛ وقد قال ?: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ.» ولو نام نقص، ولو نقص افتقر، ولو افتقر وجب حدوثُه، وكل ذلك محال في حقه لأنه عز وجل الكامل القيوم الغنيُّ بإطلاق.

وَلَمَّا احتاج المقام لمزيد تقرير، وإيضاحٍ للدليل وتحرير، قال عز وجل زيادةً في تقرير القيُّومية، واحتجاجًا على تفرُّدِه في الألوهية، واختصاصِه بعموم التصرُّف في العوالم العلوية والسفلية: ? ? ? لا لغيره ? ? ? ?? بالمعنى الشامل للعلويات كلها من عَرْشٍ وكرسِيٍّ وغيرهما، ? ? ? ?? ? بالمعنى الشامل لكل السفليات بما فيها من العقلاء وغيرهم من حيوان وجماد، فهو تقريرٌ على أكمل الوجوه وأبلغها لقيوميته وتدبيره تعالى للكل، واحتجاج منه عز وجل على تفرُّدِه في الألوهية المشار إليها في أوَّل الآية الكريمة بالنفي عن غيره وقصرها عليه عز وجل.

وَلَمَّا كان المشركون يزعمون أنّ الأصنام تشفع لهم عند الله، فيقولون: (ھ ھ ے ے) ([1] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn1)) ، (ک ک گ گ گ گ ?) ([2] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn2))، رَدَّ عليهم عز وجل بأن الأصنام لا تملك ذلك، بل ولا مَلَكٌ مقرَّب ولا نبِيٌّ مُرسَل إلا بأمره، فقال عز وجل: ?? ? ?? أي: لا أحد ? ? ? ? ??? وفي هذا بيان منه عز وجل لكبرياء شأنه وعظيم ملكوته وجلاله، فلا يدانيه أحد ـ فضلا عن أن يساويه ـ في ألوهيته وعظيم كبريائه، ولا يقدر غيرُه على تغيير الأمر الذي يريدُه بمن استوجبَ العذاب والإذلال والخزي والنكال، ولا يستطيعه بحال، فضلا من أن يدافعه أو يمنعه من إنزاله به.

وَلَمَّا استلزم ذلك كله حيطة عِلْمِه تعالى بكل معلوم، صرَّح عز وجل بما يدل على ذلك مطابقةً فقال: ??? أزَلا وأبدًا?? ? ?? أي: ما قبلهم? ? ?? ? أي: وما يأتي بعدهم، ويعلم أمور الدينا كلها وأمور الآخرة بأسرها، وفي هذا إشارة باهرة إلى إحاطة عِلْمِه عز وجل بسائر المخلوقات من جميع الجهات.

وَلَمَّا بيّن عز وجل قَهْرَه لهم بعِلْمِه، بيَّن عَجْزَهم عن إدراك شيء من معلومِه، إلا ما أفاض عليهم بحِلْمِه، فقال: ?? ??تجدُّدًا واستمرارًا ? ?? قليل ولا كثير? ? ?? بمعنى من معلوماته، سواء الوجودية أو العدمية، التي أحاط بها كلها علمُه الأزلي ?? ? ??? أن يعلموه ويَقِفُوا على حقيقته، فإنهم يعلمونه ويحيطون به بإحداثِه عز وجل لهم علمَ ذلك فيهم، وإيقافِهم على حقيقته وفْقَ نافذ مشيئته.

وَلَمَّا أعجزهم عز وجل عما ذُكِرَ دون مشيئته، وبيّن انفراده بالوَحدة، وتفرُّدَه بالألوهية، بيَّن ما في هذه الجملة من إحاطة عِلْمه وتمام قدرته بِقَوْلَهٍ مُصَوِّرًا لعظمته وتمام عِلْمِه وكبريائه وقدرته بما اعتادَه الناس في ملوكهم فقال عز وجل: ?? ? ?الشامل، وكشفه العلمي الإحاطي الكامل?? ?بأسرها ??? ? كلها، بحيث لا يشذ شيء منها عنه، ولا يعزب عن كشفه الأزلي جزء منها ولو قلّ، ?? ?? ولا يثقله ولا يعجزه???? أي حفظ ورعاية السموات والأرض وما انطوتا عليه وما أودع فيهما؛ إذ لو أثقله ذلك لاختل أمرهما ولم يستقم نظامهما فلا يتم إحكامهما، وهو خلاف المشاهدة.

وَلَمَّا كان علوُّه تعالى وعظمته بالقهر والسلطان والإحاطة العلمية بالكمال غير منحصر فيما مرّ، بين عز وجل أنّ ذلك أمر ذاتيٌّ له حاصل أزلا قبل وجود سائر المخلوقات، ومستمر أبدًا بعد فنائهم، وليس علوُّه عز وجل عارِضًا مستمَدًّا من قَهْرِه لجميع الكائنات، فقال عز وجل: ? ??مع ذلك كله ???الذي لا رتبة إلا وهي منحطة عن رتبته، المتعالي أزلا وأبدًا تعاليا ذاتيا، المرتفع عن مدراك العقول ونهايتها في ذاته وصفاته وأفعاله، فليس كذاته ذات، ولا كصفاته صفات، ولا كفعله فِعْلٌ، وهو ? ? ??الذي كل ما سواه بالنسبة إليه مستحقَر، لا رتبة له قياسا إلى عظمته، إذ عظمته عز وجل ذاتية، وغيرها عارِضَة زائلة فانية.

([1]) يونس: 18

([2]) الزمر: 3

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير