تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأول: دراسة مبادئ التفسير، وأسباب الاختلاف فيه، حيث إن معرفة طريقة ظهور النص وطبيعة اللغة التي جاء بها، وسنن المجتمع المخاطب به، وتطور فهم المخاطبين له بحسب زمان نزوله فيهم ... إضافة إلى أسباب وأنواع الاختلافات الواقعة في تفسيره، كل ذلك له علاقة وثيقة بتعيين الموارد التي يكثر فيها الخطأ، والتي تحتاج إلى فحصٍ وتَمحيصٍ، وبالتالي المسار الذي يسير عليه النقد.

الثاني: تشخيص منافذ الضعف ومسارب الشك فيه، كالإسرائيليات والموضوعات وغيرها، فهي المجالات التي يجب الحذر منها، والدقة في نقد التفاسير المختلطة بها؛ لأن الكثير منها يحمل معه آثار التحريف.

وهذان الموضوعان شغلا الفصلين الأول والثاني من الكتاب.

وقد أشار الباحث إلى أن دائرة النقد في التفسير واسعة، وميدانه رحب، فالتفسير قسمان:

- أحدهما هو أن يكون نقلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن ناقله بشر يخطئ ويصيب، وينسى ويسهو، ويدق ويكذب، فلا بد من نقد الراوي والمروي لغرض التأكد من صدق الناقل وضبطه، ودقة المنقول وسلامته، وبالتالي صحته، وهو ما تكفلت به علوم الحديث، وتطرفت إليه علوم التفسير لارتباطه بتفسير القرآن وفهمه، على أن المأثور من التفسير لم يستوعب القرآن كله، وما صح سنده فهو قليل، وقد دخلت فيه عوامل الضعف من موضوعات وإسرائيليات، وكلها تستدعي المزيد من التحقيق والتدقيق، وتمحيص الأخبار والتأمل في الروايات، حتى يتميز الحق من الباطل فيه، وهو ما يتكفل به النقد في السنة.

- والقسم الآخر من التفسير - وهو معظمه - يرجع إلى استنباط العلماء، من خلال التفكر في آيات القرآن والتدبر في معانيها، بما أوتوا من قوة فهم، وإحاطةٍ بالعلوم اللازمة لذلك، وهو وإن كان يشترط فيه أن يكون على أسس علمية من اللغة والأصول وغيرها تجنباً من القول بغير علم والتفسير بالرأي المجرد، إلا أنه يبقى في منتهاه جهداً بشرياً ومحاولة إنسانية تتأثر بقوة نظر المفسر وسعة فكره واطلاعه، وامتلاكه للوسائل اللازمة، ولكن كل ذلك لا يجعله في مقام الجزم بالمعنى المراد من الله تعالى، في كل الآيات، وفيها المجمل والمبين، والمبهم والمشكل، إنما هو يحاول التوصل للمعنى فيصيبه حيناً، ويقاربه أخرى، وقد يبتعد أو يخطئ في بعض الأحيان، ومن هنا قيل بغلبة التقريب في التفسير لا التحقيق والجزم، ومن هنا قالوا بعدم القطع والجزم إلا في موارد الإجماع، وظهور النص في معنى واحد متفق عليه، وأوصوا باجتناب التعبير عن التفسير بأن ذلك هو مراد الله قطعاً، خصوصاً في الموارد المحتملة لأكثر من وجه مقبول، وهو ما يسمونه باختلاف التنوع.

وكل ذلك يؤكد الحاجة إلى ممارسة النقد العلمي المنضبط في تفسير القرآن الكريم، كما هو في سائر مجالات الفكر الإنساني، خصوصاً وأن حركة الفكر في التفسير غير متناهية، وآفاق المعاني فيه رحبة متنامية، إذ إن فهم كلام الله تعالى لا غاية له، كما لا نهاية للمتكلم به سبحانه وتعالى، وهذا بدوره يزيد من المعاني المحتملة للآيات، وكل ذلك ينبغي أن يكون منضبطاً بضوابط الاستنباط الصحيحة من القرآن، كي لا يكون ضرباً من الوهم، أو نوعاً من الخيال الباطل.

وليس كل من أخطأ في التفسير كان ممن طلب الحق فأخطأه، بل قد يكون ممن طلب الباطل فأصابه، ومن هنا فليس التفسير بمنأى عن إعمال الأهواء وإدخال الأغراض فيه، وكان للأفكار المسبقة والاتجاه المذهبي تأثيره في بعض التفسير، بل لا يسلم حتى المأثور من إعمال نظر المفسر ونوع من تأثير رايه في اختياره، وقلما سلم تفسير من هذا التأثير على جلالة قدر المؤلفين وسلامة مقاصدهم، والكمال عزيز.

وهذا ما يؤيد ضرورة إعمال النقد واستمراره؛ لأن في ذلك - فضلا عن الاقتراب من الحق - اضطراد نفس علم التفسير ونُموُّه وتقدمه في الكشف عن كنوز القرآن الكريم وهداياته الكامنة فيه، واستفادة البشرية من ذلك الغنى وتلك المعرفة.

والكتاب جديرٌ بالقراءة الواعية المتأنيَّة حتى يستفاد منه، وقد أجاد الباحث -جزاه الله خيراً - في تناول مسائل بحثه، واستطاع استقراء المصادر المهمة في موضوعه، واستخراج القواعد والضوابط من خلالها، والخروج بنتائج مهمة في هذا الميدان العلمي المهم المرتبط بأصول التفسير.

وأرجو أن أكون قد وفقت في هذا العرض للكتاب مِمَّا قد يدفع باحثاً أو باحثةً للقراءة فيه والانتفاع به، ولعلي لا أعدم دعوةً صالحةً بظهر الغيب، أنا أحوجُ ما أكون إليها.

في الرياض 25/ 7/1431هـ.

ـ[أبو صفوت]ــــــــ[07 Jul 2010, 12:00 م]ـ

شكر الله لك شيخنا على ما تتحفنا به من فوائد، وقد شوقتني - حقيقة - للكتاب، وموضوع النقد في التفسير من الموضوعات التأصيلية الحيوية التي لم تلق العناية الكافية حتى الآن، وهو صالح لإدراجه ضمن موضوعات أصول التفسير لاعتماده على كثير مما تضمنته، وهو مشروع يحتاج إلى جهود مخلصة وعقول ناقدة وصبر طويل،وأرى أن تبنيه في الجامعات صعب لتخاذل كثير من الباحثين عن أمثال هذه الموضوعات داخل نطاق الجامعة، وكم أعول على أن يكون هذا مشروعا من مشاريع مركز تفسير الرائدة، وعندي بعض التصورات والأفكار حوله عسى أن أوفق لكتابتها في مخطط يرسم مشروع النقد في التفسير من بدايته إلى زماننا هذا ومعالجة ما حصل فيه من تسور على انتقاد العلماء دون فهم مراميهم ومقاصدهم.

وفقك الله ورعاك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير