إن من ينظر إلى الجبال على سطح الأرض لا يرى لها شكلاً يشبه الوتد أو المرساة، وإنما يراها كتلاً بارزة ترتفع فوق سطح الأرض، كما عرفها الجغرافيون والجيولوجيون. ولا يمكن لأحدٍ أن يعرف شكلها الوتدي، أو الذي يشبه المرساة إلا إذا عرف جزءها الغائر في الصهير البركاني في منطقة الوشاح، وكان من المستحيل لأحدٍ من البشر أن يتصور شيئاً من ذلك حتى ظهرت نظرية سيرجورج ايري عام 1865م , وقد وصف القرآن الشكل الكامل للجبل بأبسط عبارة , فشبهه بالوتد , والكل يعرف أن الوتد يكون معظمه تحت الأرض , بينما لا يظهر على السطح إلا الشيئ اليسير من الوتد.
0ولم يتوصل العلم إلى معرفة وظيفة الجبال ـ وهي تثبيت القشرة الأرضيةـ إلا في عام 1989م, في حين جاء القرآن بها قبل ألف وأربعمائة عام , فقال تعالى: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) [لقمان: 10] , فجعل الجبال كالمرساة بالنسبة للسفينة , وفي هذا بيان بليغ لحقيقة الجبال ووظيفتها , فالسفينة حتى تستقر ولا تميد على سطح الماء فإنها تحتاج إلى مرساة تغوص إلى الأسفل تحت سطح الماء , وهذا يصف حالة القشرة الأرضية (الوشاح) فهي تسبح فوق مادة الصهير الصخري ـ وهي طبقة سائلة ـ فأشبهت السفينة , وحتى لا تميد هذه القشرة فإن الله ثبتها بالجبال التي تغوص جذورها في طبقة الصهير البركاني , فتصير كالمرساة بالنسبة للسفينة.
فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة الغائبة في باطن الأرض والتي يستحيل على أي إنسان معرفتها إلا بواسطة الأجهزة الحديثة؟ إن هذا دليل واضح على أن هذا العلم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو من عند الله تعالى خالق هذه الجبال والعالم بأسرارها سبحانه وتعالى, قال تعالى: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان:6). (بتصرف, من كتاب بينات الرسول ومعجزاته للشيخ الزنداني ص 95.)) (إنتهى بتصرف)
وقال الدكتور محمد السيد راضى جبريل أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين بالقاهرة في رسالة له بعنوان (عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز): (وفي هذا الإطار نسوق قول الله تعالى في سورة النبأ: {ألم نجعل الأرض مهاداً. والجبال أوتاداً} ففي إبراز وجه الإعجاز العلمي فيها يقول الأستاذ الدكتور زغلول راغب النجار: (من أروع الحقائق الكونية التي وردت في هذا السياق أن الله تعالى قد جعل الجبال أوتاداً {ألم نجعل الأرض مهاداً. والجبال أوتاداً} - النبأ:6،7 - ووصف الجبال بأنها أوتاد هو من أبلغ صور الإعجاز العلمي في كتاب الله، وهذه شهادة صدق بأن القرآن الكريم كلام الله، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو خاتم أنبيائه ورسله، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان موصولاً بالوحى، مُعلما من قبل خالق السموات والأرض {وما ينطق عن الهوى.إن هو إلا وحي يوحى} (النجم:3،4).
ففي الوقت الذي يصف فيه القرآن الكريم الجبال بأنها أوتاد قبل أربعة عشر قرناً، نجد كل المجامع اللغوية والعلمية إلى يومنا هذا تعرف الجبل بأنه: نتوء أرضي يرتفع بارزاً فوق ما يحيط به من الأرض بصوره تفوق ارتفاع التل، ويختلف الدارسون في تحديد ارتفاع كل من الجبل والتل، فبينما يضع بعضهم الحد الفاصل بين هذين الشكلين من أشكال سطح الأرض عند ارتفاع 305أمتار فوق مستوى سطح البحر، نجد آخرين يرفعونه إلى ضعف هذا الرقم، ومن ثم فإنهم يقصرون الجبال على المرتفعات الأرضية التي تفوق 610 أمتار فوق سطح البحر، ويعتبرون كل مادون ذلك من التلال أو الربى، والربوة عندهم هي التل المرتفع.
وانطلاقاً من ذلك فإن "معجم مصطلحات علوم الأرض" يعرف الجبل بأنه: تل مرتفع، أو بصياغة أدق ربوة مرتفعة، أو مرتفع أرضي يفوق في ارتفاعه الأراضي المجاورة له بشكل ملحوظ.
… وفي معجم البيئة الطبيعية "الفطرية" يعرف الجبل بأنه:" نتوء أرضي مرتفع بشكل ملحوظ تحيط به منحدرات شديدة تصل ارتفاعاته إلى مستوى الجروف البارزة، أو القمم الفردية السامقة، وليس للجبل ارتفاع محدد، وإن وصل ذلك في بريطانيا عادة إلى ما فوق-600 متر أو 2000 قدم -إلا إذا ارتفع الجبل فجأة من أرض منخفضة محيطه به"
¥