تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أحمد بن فارس السلوم]ــــــــ[13 Jul 2010, 06:48 م]ـ

تفسير المقام المحمود

قال تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعك ربك مقاما محمودا)

بدأ ابن جرير رحمه الله تفسير الآية كعادته بذكر الأقوال مسندة إلى أصحابها:

فذكر في تفسير المقام المحمود قولين:

الأول: قول أكثر أهل العلم: ذلك هو المقام الذي يقومه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدّة ذلك اليوم أهـ

واستدل له بما ورد في السنة.

ثم ذكر القول الثاني: فقال: وقال آخرون: بل ذلك المقام المحمود الذي وعد الله نبيّه أن يبعثه إياه، هو أن يقاعده معه على عرشه.

ثم رواه عن مجاهد من طريق ابن فضيل عن ليث ...

ومن هذه الطريق رواه ابن ابي شيبة في مصنفه كذلك (31652).

مناقشة قول مجاهد:

وهذه المناقشة تتناول الإسناد والمتن.

فليث الذي رواه عن مجاهد مضطرب الحديث كما لا يخفى، وقد تفرد به عنه.

وقد روى ابن جرير وغيره عن مجاهد قولا آخر بإسناد على شرط الصحيح، من طريق حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: مقاما محمودا شفاعة محمد يوم القيامة ..

ولو أعملنا قواعد الحديث على هذين الخبرين عن مجاهد لم نجد بدا من أن نحكم على أن الرواية الأولى من تخاليط ليث بن أبي سليم، وخبره على اصطلاح أهل الحديث منكر، لا يلتفت إليه.

ولنكارته تجنبه ابن أبي حاتم فلم يخرجه في التفسير لا سيما أنه من رواية ابن فضيل عنه!، وابن فضيل فيه ما فيه.

وقد لخص ابن كثير أقوال أهل العلم في هذه الآية من تفسير الطبري ولكنه لم يذكر قول مجاهد هذا بل ضرب عنه صفحا!

نعم قد جاء هذا عن غير مجاهد:

قال الطبراني (في الكبير 10/ 208) حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح , حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح , حدثني ابن لهيعة , عن عطاء بن دينار الهذلي , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , أنه قال: في قول الله عز وجل:"عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" [الإسراء آية 79] , قال: يجلسه فيما بينه وبين جبريل , ويشفع لأمته , فذلك المقام المحمود.

وهذا منكر من تخاليط ابن لهيعة، وعطاء بن دينار ضعيف، وروايته عن ابن جبير خاصة أشد ما تكون ضعفا.

ورواه الديلمي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال: يجلسني معه على السرير "

وهذا حديث موضوع ولا شك، ولا تحل روايته إلا ببيان وضعه.

ثم إن ابن جرير رجح بين القولين فقال:

و أولى القولين في ذلك بالصواب ما صحّ به الخبر عن رسول الله.

وذلك ما حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن داود بن يزيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) سئل عنها، قال: "هِىَ الشَّفاعَةُ".

حدثنا عليّ بن حرب، قال: ثنا مَكّيّ بن إبراهيم، قال: ثنا داود بن يزيد الأوْدِيّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) قال: "هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي" ...

ثم ساق الأحاديث ...

ولو أدعى مدع أن تفسير المقام المحمود بالشفاعة متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لما أبعد، ونظرة عجلى على ما نقله ابن كثير في تفسير هذه الآية من الروايات يثبت هذا ويقرره.

ثم تلطف ابن جرير غاية التلطف فختم المبحث بقوله:

وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك.

فأما من جهة النظر، فإن جميع من ينتحل الإسلام إنما اختلفوا في معنى ذلك على أوجه ثلاثة:

فقالت فرقة منهم: الله عزّ وجلّ بائن من خلقه كان قبل خلقه الأشياء، ثم خلق الأشياء فلم يماسَّها، وهو كما لم يزل، غير أن الأشياء التي خلقها، إذ لم يكن هو لها مماسا، وجب أن يكون لها مباينا، إذ لا فعال للأشياء إلا وهو مماسّ للأجسام أو مباين لها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير