فقد سمى الله نفسه حياً فقال: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)، وسمى بعض عباده حياً، فقال: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)، وليس هذا الحي مثل هذا الحي؛ لأن قوله (الْحَيُّ) اسم لله مختص به، وقوله: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود فى الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدراً مشتركاً بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق.
ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته: يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى. " انتهى من "التدمرية" (20 - 22).
ثانياً:
إذا فهمنا هذه القاعدة المهة في باب أسماء الله وصفاته، تبين لنا أن الله جل جلاله هو الخالق حقيقة لكل ما في الكون، لا يشركه في ذلك أحد من خلقه، وأن تسمية بعض خلقه بالخالقين، لا يعني أنه شريك لله في شيء من خلقه، أو شبيه له في صفة من صفاته، بل هذا جار على ما هو معروف من لغة العرب، من تسمية بعض أفعال المخلوقين "خلقا".
وقد اختلف أهل العلم في قوله تعالى عن نفسه المقدسة: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) المؤمنون /14، وقوله سبحانه: (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) الصافات / 125.
فقيل: المعنى: أحسن الصانعين. قال مجاهد: يصنعون ويصنع الله، والله خير الصانعين.
"تفسير الطبري" (19/ 19)
ورجحه ابن جرير رحمه الله، وقال: " لأن العرب تسمي كل صانع خالقاً، ومنه قول زهير:
وَلأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وَبَعْـ ـضُ القَوْمِ يخْلُقُ ثمَّ لا يَفْرِي
"تفسير الطبري" (19/ 19)
وقال القرطبي رحمه الله:
" (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ): أتقن الصانعين. يقال لمن صنع شيئاً: خلقه.
ولا تُنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع؛ وإنما هي منفية بمعنى الاختراع وإيجاد من العدم " انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 110)
وقال ابن القيم رحمه الله:
" (الخالق والمصور): إن استعملا مطلقين غير مقيدين لم يطلقا إلا على الرب، كقوله: (الخالق البارئ المصور)، وإن استعملا مقيدين أطلقا على العبد، كما يقال لمن قدَّر شيئا في نفسه، أنه خلقه. قال:
وَلأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وَبَعْـ ـضُ القَوْمِ يخْلُقُ ثمَّ لا يَفْرِي
أي: لك قدرة تُمضي وتنفذ بها ما قدَّرته في نفسك، وغيرك يقدِّر أشياء وهو عاجز عن إنفاذها وإمضائها، وبهذا الاعتبار صح إطلاق خالق على العبد في قوله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين)؛ أي: أحسن المصورين والمقدرين، والعرب تقول: قدرت الأديم، وخلقته: إذا قسته لتقطع منه مزادة أو قربة ونحوها. قال مجاهد: يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين. وقال الليث: رجل خالق، أي: صانع، وهن الخالقات: للنساء. وقال مقاتل: يقول تعالى: هو أحسن خلقاً من الذين يخلقون التماثيل وغيرها، التي لا يتحرك منها شيء.
وأما البارئ: فلا يصح إطلاقه إلا عليه سبحانه؛ فإنه الذي برأ الخليقة وأوجدها بعد عدمها " انتهى من "شفاء العليل" (ص 131)، وينظر: "أضواء البيان"، للشنقيطي (26/ 41).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما ورد من إثبات خلق غير الله، كقوله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين)، وكقوله صلى الله عليه وسلم في المصورين: (يقال لهم أحيوا ما خلقتم)
فهذا ليس خلقاً حقيقة، وليس إيجاداً بعد عدم، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال، وأيضاً ليس شاملاً، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه، ومحصور بدائرة ضيقة؛ فلا ينافي قولنا: إفراد الله بالخلق " انتهى.
"القول المفيد" (1/ 1 - 2).
ومن ذلك يتبين أن هذه الآية الكريمة، وما يشابهها، ليس فيها شيء من تشبيه أحد بالخالق سبحانه، فيما يختص به من صفة الخلق، أو غير ذلك من الصفات، وأن ما سمي به المخلوق من أسماء الخالق، فإنما تحمل على ما يليق بالمخلوق، وأما أسماء الله تعالى وصفاته، فهي على ما يليق بكماله، وجماله، وجلاله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
وهذا هو عين ما تدل عليه سورة الإخلاص:
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).
فليس لله من خلقه، شبيه، ولا مثيل، ولا ند، ولا نظير.
وهذا أصل محكم في دين الله، لا يعارضه، ولا يشكل عليه شيء من نصوص الكتاب والسنة.
المصدر: الإسلام سؤال وجواب
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[25 Jul 2010, 11:55 م]ـ
جزاك الله كل خير اخي الكريم على هذه الفائدة العظيمة
وللعلم فان الصوفي الخرافي علي الجفري و الذي يخرج علينا في القنوات الفضائية يزعم
ان الاولياء يخلقون الاطفال بدون اباء واستدل بقوله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين)
وهذا رابط له بصوته وهو يقول هذه الكلمة:
http://www.youtube.com/watch?v=7VSDdrTcrqw