تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جزى الله مشائخنا الفضلاء على ما بينوا، وكان قد تبين لي أمر، فأحببت أن أعرضه عليكم، وإني إن شاء الله مستفيد من تعقيبكم.

الآية الأولى قوله تعالى: (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم).

فالمؤمن في حال الزلل بالمعصية يخشى عليه من أمرين: الأول أن يستهين بها فيحمله استصغارها على التمادي والإصرار. والثاني: كره تشريع الله تعالى، حيث قد يتوهم أن فيه من الحرج ما أوقعه في الإثم، وحب المعصية، لما قد يجد فيها من اللذة والمصلحة المؤقتة.

أما الأول فهو كقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحدث الصحيح: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه قال به هكذا فطار)، وفي الحديث الآخر - وهو ضعيف، لكن معناه صحيح إن شاء الله -: (لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار).

أما الثاني فهو كقول المنافقين الذي حكى الله تعالى في سورة النساء: (وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب) فهذا كره منهم لهذا التشريع استثقالاً له، ثم قال تعالى رداً عليهم: (قل متاع الدنيا قليل والآخر خير لمن اتقى) فهذا تزهيد لهم في المصلحة الزائلة الناتجة عن المعصية واللذة الكاذبة.

ثم نرجع إلى آية البقرة موضوعِ البحث.

فنرى اسم الله تعالى العزيز، ذو القهر والمنعة، الذي لا يعجزه شيء ولا يفوته. فإذا سمع المؤمن هذا، وعلم مقتضاه، خاف ربه، فانصرف ذهنه عن صغر المعصية التي ارتكب إلى عظمة الرب الذي قد عصى. وهذا يحمله على استعظام ذنبه والمسارعة بالتوبة.

ثم نرى اسم الله تعالى الحكيم، المحكِم المتقِن لشرعه وخلقه، ذو الحكمة الذي يضع الأمر في موضعه المناسب بحث يصلح به ولا يفسد. فإذا سمع المؤمن هذا، نظر إلى هذا التشريع الذي قد يُرى فيه استثقال، على أن فيه المصلحة الأكيدة والحكمة البالغة، وليس فيه تعنت ولا إعجاز. فإذا تبين له ذلك كره هذه المعصية التي تفوت مصلحة العمل بالحكم الشرعي، وزهد بما فيها من مصلحة ولذة، لثقته في حكمة ربه.

وبهذا يحمي الله تعالى المؤمن من هذين الأمرين، ويهديه إلى السلامة والخير، والسلامة من العقاب التي في التوبة، والخير الذي في العمل بالشرع لما فيه من المصالح.

لكن هنا قد يسأل سائل: الأمور التي يخشى على المؤمن منها حال معصيته ربه أكثر من مجرد هذين الأمرين، لم كان الحديث عنهما؟

فالجواب - والله تعالى أعلم - أن المقام هنا يقتضيهما، حيث قال تعالى قبل هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين).

فالدخول في كل شرائع الإسلام من غير استثناء، قد يفهم منه المشقة والحرج، فجاء ذكر الحكمة لبيان أن هذا الدخول ليس لمشقة ولا تعنت كما كان على بني إسرائيل وإنما هو لحكمة بالغة ولصلاح الدين والدنيا.

وذلك كما قال تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وعليهن وسلم بعد أن أمرهن بجملة من التشاريع: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)، فكأنه قال: لا أريد بهذا إعناتكن ولا إتعابكن، إنما أريد بذلك تطهيركن. والله أعلم.

ثم اتباع خطوات الشيطان يكون بتزيينه المعاصي وتحقيرها. قال تعالى في التزيين: (قال ربي بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) فهذا تزيين بذكر منافع المعصية ولذتها. وقال تعالى في التحقير: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) وهذا تحقير للمعصية حيث لن ينال الفاعل عليها عقاب بزعمهم.

فقابل الله تعالى ذينك بذكر عزته تخويفاً لعباده لئلا يغتروا بما هون الشيطان من عذاب المعصية، وبذكر حكمته لئلا يغتروا بما زين لهم من مصلحة ومنفعة.

هذا. وما أصبت فمن الله، وما أخفقت فمني ومن الشيطان، والله وكتابه منه بريئان.

والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

ـ[أبو علي]ــــــــ[20 May 2004, 08:36 ص]ـ

اسمحوا لي أن أتطفل على علمكم لأعرض على حضراتكم ما تبين لي من تفسير لهذه الآية.

الآية مكونة من جملتين، فالجملة الأولي من الآية هي:

(فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات).

والجملة الثانية هي: (فاعلموا أن الله عزيز حكيم).

في مثل هذا الأسلوب في اللغة تكون الجملة الثانية إما (تهديدا) أو (طرح حل).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير