أما التهديد فهو كقول المعلم لتلاميذه: إن تهاونتم في مراجعة دروسكم بعدما شرحتها لكم فلا تلومون إلا أنفسكم.
(فلا تلومون إلا أنفسكم) هذا تهديد.
وأما (طرح الحل البديل) كقول المعلم لتلاميذه: إن لم تفهموا الدرس بعدما شرحته لكم فإني سأستعمل أسلوبا آخر مبسطا في الشرح.
مثال آخر ل (طرح الحل البديل)، قال تلميذ لزميله وهو ينصحه:
إن رسبت في مادة الكيمياء ولم يفدك شرح مدرسك فخذ دروسا خصوصية في مادة الكيمياء.
(الحل البديل) لفشل التلميذ في مادة الكيمياء هو (الدروس الخاصة (الخصوصية).
لنعد إلى الجملة الثانية من الآية (فاعلموا أن الله عزيز حكيم).
هل هي تهديد أم عرض حل بديل يعطي يقينا أعظم من يقين الحل الأول؟
الحل الأول الذي زلوا من بعده هو (البينات)، فالبينات المراد من إرسالها هو (أن تستيقنها الأنفس). فهل يوجد حل آخر فيه من اليقين ما هو أعظم من يقين البينات؟
لنأخذ الصفة المتعلقة بما جاء في الجملة الثانية من الآية (فاعلموا أن الله عزيز حكيم)، الصفة المتعلقة بإسم الله العزيز الحكيم هي (الحكمة).
نستنتج من الآية أن الحل الأول الذي زل الناس من بعد ما جاءهم هو (البينات الحسية)، والحل البديل هو (الحكمة).
هل في آيات (الحكمة) يقين خير من مما تعطيه (البينات الحسية)؟
نضرب مثلا يوضح لنا هذه المسألة:
عدت إلى البيت فأخبرني أخي أن أستاذي في مادة الفلسفة زارني اليوم أثناء غيابي، و آتاني ب (البينة) على صدق كلامه بأن أراني قبعة الأستاذ وسبحته اللتان نسيهما في بيتي، وحيث أني أعرف قبعة الأستاذ وسبحته صدقت أخي إلا أنني ساورني الشك بعد قليل فقلت في نفسي لعل أخي يمزح معي ربما يكون يكون قد وجدهما في مكان ما خارج المنزل وأحضرهما إلى البيت، لكن أخي ما لبث أن قال لي:
لقد دخل الأستاذ إلى حجرة المكتبة و رص كل كتبك التي كانت مبعثرة على الأرض في خاناتها، فلما دخلت المكتبة وجدت الكتب قد رصت بالفعل مرتبة كل مجموعة لوحدها وحسب الترتيب الأبجدي، هنا أتاني اليقين الذي لا يتطرق إليه الشك أبدا خاصة وأن أخي هذا الذي أخبني (أمي) لا يقرأ ولا يكتب، فترتيب الكتب بإحكام يعتبر بينة من جنس (الحكمة).
ولو كنت أنا الآخر لا أعلم القراءة ولا الكتابة فأنى لي أن أعلم أن الكتب قد رصت في أدراجها بترتيب محكم!! إذن فالمتعلم هو الذي يدرك الحكمة والترتيب.
فتعالوا لنرى كيف طبقت هذه الآية في هدى الله للبشر.
لقد جاء عيسى عليه السلام (بالبينات) فزل المرسل إليهم بعد ذلك، فبعث الله رسولا آخر بالحل البديل الذي هو خير يقينا من (البينات الحسية) فآتاه الله اآيات من جنس (الحكمة) (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)، وكان من الحكمة أن يكون هذا الرسول (أميا) لكي لا يرتاب الناس كما لم أرتب في أمر أخي في ذلك المثل الذي ضربته،
وكان من الحكمة أن يعلم الله الإنسان بالقلم مالم يعلم ليدرك حكمته كما أدركت أنا في ذلك المثل الذي ضربته أن الكتب رتبت بإحكام.
ولقد نبهنا الله على ذلك في أول ما أنزل من القرآن وهو: إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم،الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم.
وترتيب سورة العلق في القرآن جاء بعد سورة التين التي اختتمت بسؤال من الله: أليس الله بأحكم الحاكمين؟
فالإنسان المتعلم هو الذي يجيب ب (بلى) ويبرهن على ذلك بالبراهين والحجج التي أدركها بعلمه، ولذلك جاءت سورة العلق بعد سورة التين.
أعتذر عن الإطالة وعن الأخطاء التي ربما قد أكون ارتكبتها في هذا الموضوع لأنني كتبته دون أن أعده مسبقا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[أبو علي]ــــــــ[20 May 2004, 10:08 ص]ـ
والآية أيضا شطرها الأخير (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) تهديد لمن زل بأن الله عزيز حكيم سيحاسب الذين زلوا بحكمته، كل حسب نوع الزلل، فقد يكون الزلل بالتهاون أو بالجحود أو بالفسق ولكل نوع من الزلل حكم.
يثني الله تعالى باسمين من أسماءه الحسنى، وهنا باسميه (العزيز الحكيم) فالعزيز هو الغالب الذي لا يقهر، ولا يكون العزيز غالبا إلا إذا كان حكيما، فمن لم يحكم الشيء ويتقنه بكون عرضة أن يستدرك عليه ويصحح له، والمستدرك عليه يعتبر مغلوبا لافتقاره إلى الحكمة،
إذن فالحكمة هي أم العزة، فيوصف العزيز بالحكيم.
والحكمة بنت العلم.الذي يحكم الأشياء ويتقنها هو الذي يحيط بعلمها.
إذن فالعلم أم الحكمة، والحكمة أم العزة، فالعزيز يوصف بالعلم (العزيز العليم).