روى الإمام أحمد بسنده إلى إبراهيم بن عبد الله بن قارض أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وهو مريض، فقال له عبد الرحمن رضي الله عنه: وصلتك رحم. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه فأبُتُّه، أو قال من يَبُتُّها أبُتُّه).
وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: أنا الرحمن، وهي الرحم شققت لها من اسمى؛ من يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه فأبتُّه).
ألا ترى دلالة الاشتقاق واضحة في علاقة الرحِمِ بالرحمن، إنها لغة الاشتقاق، تلك اللغة النامية الخالدة، فتأمل جيدًا هذه الحيثية فإنها أصل في تأصيل لغة العرب، وبيان قدمها في التاريخ.
ومما يستأنس به في هذا الباب من الأخبار ما رواه الطبري عن ابن عباس قال: ((فأخرج إبليس من الجنة حين لعن وأسكن آدم الجنة فكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها: من أنت؟
فقالت: امرأة.
قال: ولم خلقتِ؟
قالت: تسكن إلي.
قالت له الملائكة ـ ينظرون ما بلغ علمه ـ: ما اسمها يا آدم؟
قال: حواء.
قالوا: ولم سميتَ حواء؟
قال: لأنها خلقت من شيء حي)) تفسير الطبري ط: الحلبي ج: 1 ص: 214
ففي هذا الخبر ترى أن آدم اشتق اسم زوجه من معنى الحياة؛ لأنها خُلِقت من حيٍّ.
أضف إلى ذلك ما رواه مسلم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب، فسلم على أولئك النفر ـ وهم نفر من الملائكة جلوس ـ فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيَّتك وتحيَّة ذريتك.
قال: فذهب، فقال: السلام عليكم.
فقالوا: السلام عليك ورحمة الله.
قال: فزادوه ورحمة الله)). صحيح مسلم ج: 4 ص: 2183.
يقول الله لآدم: فإنها تحيتك وتحية ذريتك، وأنت ترى أن السلام باقٍ في أصحاب الديانات السماوية.
وأنت تعلم أن السلام اسم من أسماء الله، كما ورد في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر:23)
وإليك بعض الأمثلة.
1 ـ راجع في القرآن تحية الله لأوليائه، وتحية الملائكة للأنبياء، والتحية التي يتلقى بها الملائكة المؤمنين يوم القيامة، ومن أمثلتها:
قوله تعالى: (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (يس:58).
قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (هود:69).
قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 23 ـ 24).
قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32).
وكل هذا راجع إلى معنى اسم السلام سبحانه، وهو أثر من آثاره، فهو الذي يسلِّم على عبادة بالقول، ويسلِّمهم من الشرور.
وإذا أخذت بعين الاعتبار أن الأسماء لا تتغير بتغير اللغة التي نُقِل إليها، وإنما قد يحدث لها بعض التحوير الذي يتناسب مع لهجة اللغة التي انتقل إليها الاسم = ظهر لك أنَّ أسماء الله ثابتة له منذ الأزل، وأنه قد نطق بها الملائكة وآدم في السماء، فالله والرحمن والسلام قد وردت في هذه الآثار، مما يُستنتج منه أنها هكذا كانت تُنطق في ذلك الحين، وليس هناك ما يدل على سوى ذلك، خصوصًا إذا أضفت ما ورد من اشتقاق الرِّحِم من اسم الرحمن.
¥