تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المقصود من هذه الآلات هو الكتابة، كذلك حالُ من قبله، ومن عرف ما ذكرناه سابقا [يعني من اللغة والنحو ... ] لم يحتج إلى قراءة كتب التفسير على الشيوخ؛ لأنه قد حصل ما يفهم به الكتاب العزيز، وإذا أشكل عليه شيء من مفردات القرآن رجع إلى ما قدمنا من أنه يكفيه من علم اللغة، وإذا أشكل عليه إعراب فعنده من علم النحو ما يكفيه، وكذلك إذا كان الإشكال يرجع إلى علم الصرف، وإذا وجد اختلافا في تفاسير السلف التي يقف عليها مطالعة فالقرآن عربي، والمرجع لغة العرب فما كان أقرب إليها فهو أحق مما كان أبعد، وما كان من تفاسير الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فهو مع كونه شيئا يسيرا موجود في كتب السنة، ثم هذا المقدار الذي قدمنا يكفي في معرفة معاني متون الحديث، وأما ما يكفيه في معرفة كون الحديث صحيحا أو غير صحيح فقد قدمنا الإشارة إلى ذلك ونزيده إيضاحا فنقول: إذا قال إمام من أئمة الحديث المشهورين بالحفظ والعدالة، وحسن المعرفة أنه لم يذكر في كتابه إلا ما كان صحيحا، وكان ممن مارس هذا الشأن ممارسة كلية كصاحبي الصحيحين و بعدهما صحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة ونحوهما؛ فهذا القول مسوغ للعمل بما وجد في تلك الكتب، وموجب لتقديمه على التقليد، وليس هذا من التقليد لأنه عمل برواية الثقة، والتقليد عمل برأيه، وهذا الفرق أوضح من الشمس، وإن التبس على كثير من الناس، وأما ما يدندن حوله أرباب علم المعاني والبيان من اشتراط ذلك، وعدم الوقوف على حقيقة معاني الكتاب والسنة بدونه، فأقول: ليس الأمر كما قالوا؛ لأن ما تمس الحاجة إليه في معرفة الأحكام الشرعية قد أغنى عنه ما قدمنا ذكره من اللغة والنحو، والصرف، والأصول والزائد عليه، وإن كان من دقائق العربية، وأسرارها و مما له مزيد تأثير في معرفة بلاغة الكتاب العزيز، لكن ذلك أمر وراء ما نحن بصدده، وربما يقول قائل: بأن هذه المقالة مقالة من لم يعرف ذلك الفن حق معرفته. وليس الأمر كما يقول، فإني قد شغلت برهة من العمر في هذا الفن فمنه ما قعدت فيه بين أيدي الشيوخ كشرح التلخيص المختصر، وحواشيه، وشرحه المطول، وحواشيه، وشرحه الأطول، ومنه ما طالعته مطالعة متعقب، وهو ماعدا ما قدمته، وقد كنت أظن في مبادىء طلب هذا الفن ما يظنه هذا القائل، ثم قلتُ ما قلتُ عن خبرة وممارسة وتجريب و الزمخشري وأمثاله وإن رغبوا في هذا الفن فذلك من حيث كون له مدخلا في معرفة البلاغة كما قدمنا.

وهذا الجواب الذي ذكرته ههنا هو الجواب عن المعترض في سائر ما أهملته مما يظن أنه معتبر في الاجتهاد، ومع ذلك كله فلسنا إلا بصدد بيان القدر الذي يجب عنده العمل بالكتاب والسنة و إلا فنحن ممن يرغب الطلبة في الاستكثار من المعارف العلمية على اختلاف أنواعها، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، ومن رام الوقوف على ما يحتاج إليه طالب العلم من العلوم على التفصيل، والتحقيق فليرجع إلى الكتاب الذي جمعته في هذا وسميته "أدب الطلب ومنتهى الأرب" فهو كتاب لا يستغني عنه طالب الحق، على أني أقول بعد هذا: إن من كان عاطلا عن العلومِ الواجبُ عليه أن يسأل من يثق بدينه وعلمه، عن نصوص الكتاب والسنة في الأمور التي تجب عليه من عبادة أو معاملة وسائر ما يحدث له فيقول لمن يسأله: علمني أصح ما ثبت في ذلك من الأدلة حتى أعمل به. وليس هذا من التقليد في شيء، لأنه لم يسأله عن رأيه، بل عن روايته، ولكنه لما كان لجهله لا يفطن ألفاظ الكتاب والسنة، وجب عليه أن يسأل من يفطن ذلك، فهو عامل بالكتاب والسنة بواسطة المسؤل.

ومن أحرز ما قدمنا من العلوم عمل بها بلا واسطة في التفهيم، وهذا يقال له مجتهد والعامي المعتمد على السؤال ليس بمقلد، ولا مجتهد بل عامل بدليل بواسطة مجتهد يفهمه معانيه، وقد كان غالب السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين هم خير القرون من هذه الطبقة، ولا ريب أن العلماء بالنسبة إلى غير العلماء أقل قليل، فمن قال: إنه لا واسطة بين المقلد والمجتهد. قلنا له: قد كان غالب السلف الصالح ليسوا بمقلدين ولا مجتهدين، أما كونهم ليسوا بمقلدين فلأنه لم يسمع عن أحد من مقصري الصحابة أنه قلد عالما من علماء الصحابة المشاهير بل كان جميع المقصرين منهم يستروون علمائهم نصوص الأدلة، ويعملون بها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير