وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عباس أنه كان يقرأ وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به فهذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وأن لم تثبت بها القراءة لكن أقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه في ذلك على من دونه ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم متبعي المتشابه لوصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة وصرح بوفق ذلك حديث الباب ودلت الآية على مدح الذين فوضوا العلم إلي الله وسلموا إليه كما مدح الله المؤمنين بالغيب ((فتح الباري 8/ 210))
************
واختلف العلماء في الراسخين في العلم هل يعلمون تأويل المتشابه وتكون الواو في والراسخون عاطفه أم لا ويكون الوقف على وما يعلم تأويله الا الله ثم يبتدئ قوله تعالى والراسخون في العلم يقولون آمنا به وكل واحد من القولين محتمل واختاره طوائف والاصح الاول وان الراسخين يعلمونه لانه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته وقد اتفق اصحابنا وغيرهم من المحققين على انه يستحيل ان يتكلم الله تعالى بما لا يفيد والله اعلم ((النووي على مسلم 16/ 218))
************
فائدة والقول بأن الوقف تام على قوله) إلا الله (وأن قوله) والراسخون (ابتداء كلام هو قول جمهور العلماء للأدلة القرءانية التي ذكرنا
وممن قال بذلك عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وابن مسعود وأبي بن كعب نقله عنهم القرطبي غيره ونقله ابن جرير عن يونس عن أشهب عن مالك بن أنس وهو مذهب الكسائي والأخفش والفراء وأبي عبيد
وقال أبو نهيك الأسدي إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم آمنا) به كل من عند ربنا (والقول بأن الواو عاطفة مروي
أيضا عن ابن عباس وبه قال مجاهد والربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم وممن انتصر لهذا القول وأطال فيه ابن فورك ((اضواء البيان 1/ 194))
والله اعلم
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[25 May 2004, 07:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم محمد القحطاني حفظه الله ورعاه، ووفقه وسدد خطاه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فأعتذر إليك لعدم تمكني من إجابة طلبك السابق في الحديث عن قوله تعالى: (أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما) فأنا بين انشغال ونسيان.
أما هذا النقل الذي نقلته عن ابن قدامة رحمه الله تعالى فها أنذا أعلق بما يمنُّ الله به، فأقول:
أولاً: يظهر من عنوان الكتاب توجيه الآية إلى المذهب الذي يناسب هذا الكتاب، وهو ذمُّ التأويل.
ولا شكَّ أن الآية على الوجه الذي ذهب إليه ابن قدامة وعلل له صحيح من حيث هو، لكنه لا يدل على غلط غيره، وهو القول الآخر المشهور عن السلف، كما سيأتي ذكره.
ثانيًا: قوله: ((فإن الوقف الصحيح عند أكثر أهل العلم على قوله: (إلا الله))).
أقول: إن عبارة الصحيح تدل على أن غيره هو الضعيف، والأمر ليس كذلك، فعدم الوقف على لفظ الجلالة مبني على وجه صحيح من التفسير، وهو أن يكون المراد بالتأويل: التفسير، وهو مذهبٌ لابن عباس ومجاهد وابن قتيبة وغيرهم من السلف، وهو قول صحيح لا يناقض القول الذي ذهب ابن قدامة لاختلاف محامل التفسير بين القولين.
وأصحاب هذا القول لا يقولون بأن المتشابه الكلي الذي يتبعه أهل الزيغ يعرفه الراسخون، بل هم كأولئك في هذا المذهب.
وإنما يأتي كلام ابن قدامة فيما لو كان هؤلاء يفسرون التأويل في الآية بما ذهب إليه، ثم يزعمون أنهم يعرفونه، فهنا يُطلب القول الصحيح في معنى الآية؛ لوجود التضاد.
أما الحال التي عليها تفسير السلف من جعل التأويل على معنيين متغايرين تُحمل عليهما الآية على سبيل التغاير دون الاجتماع، وهذا كثير جدًّا في تفسير السلف.
وإذا كان القول الثاني صحيحًا ومعتبرًا، فلا معنى للتصحيح هنا، وإنما السبيل تقديم القول الأولى والأقرب للصواب، وهذا لا يكون فيه ترك للقول الثاني أو تضعيف له من حيث هو قول صحيح، وإنما يكون ذلك بتقديم القول الآخر عليه، وليس تقديمه دالاً على عدم صحة الآخر.
¥