تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإنْ جعلنا قوله {وَالرَّاسِخُونَ} رفعًا بالابتداءِ مقطوعًا ممّا قبله،فتسميتهم راسخينَ يقتضي بأنّهم يعلمونَ أكثرَ مِن المحكمِ الذي يستوي في علمهِ جميعُ مَن يفهمُ كلامَ العربِ، وفي أيِّ شيءٍ هو رسوخهم، إذا لم يَعْلَمُوا إلاّ ما يعلمُ الجميعُ، وما الرسوخُ إلاّ المعرفةُ بتصاريفِ الكلامِ ومواردِ الأحكامِ، ومواقعِ المواعظِ وذلكَ كلّهُ بقريحةٍ مُعَدّةٍ، فالمعنى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} على الاستيفاءِ إلاّ الله،والقومُ الذين يعلمون منه ما يمكن أنْ يُعلم يقولون في جميعه {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (آل عمران: من الآية7) وهذا القَدْرُ هو الذي تعاطى [به] () ابنُ عبّاس رضي الله عنهما، وهو ترجمانُ القرآنِ، ولا يُتَأَوَّلُ عليه أنّه عَلِمَ وقتَ الساعةِ وأمرَ الروحِ وما شاكله، فإعرابُ {الرَّاسِخُونَ} يحتملُ الوجهينِ، ولذا قالَ ابنُ عبّاس بهما، والمعنى فيهما يتقاربُ بهذا النظرِ الذي سطّرناهُ ". ()

ولذا فإنّ تقسيم التشابه إلى مطلقٍ ونسبيٍّ تجتمعُ به الأقوال المذكورة في المسألةِ، ويجيبُ عن الإشكالِ في اختلاف السلف رحمهم الله في هذه الآية.

وتقسيمُ المتشابهِ إلى نوعيِن نَصَّ عليه أهلُ العلمِ كما تقدّمَ عن ابنِ عطيةَ رحمه الله ونقلَ السيوطيُّ عن الخطابيِّ قوله:" المتشابهُ على ضَرْبينِ: أحدهما: ما إذا رُدَّ إلى المحكمِ واعتبر به عُرف معناه، والآخر: ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته، وهو الذي يتَّبِعُه أهلُ الزيغِ فيطلبونَ تأويله، ولا يبلغونَ كُنْهَه، فيرتابون فيه فَيُفْتَنُون ". ()

وقال ابن تيمية:" فينبغي أنْ يُعرفَ الإحكام والتشابه الذي يَعُمُّهُ، والإحكام والتشابه الذي يَخُصُّ بعضه ". ()

وقال ابن القيّم:" التشابه والإحكام نوعان: تشابهٌ وإحكامٌ يعمُّ الكتابَ كُلَّهُ، وتشابهٌ وإحكامٌ يَخُصُّ بعضهُ دونَ بعضٍ ". ()

وقال الراغبُ الأصفهانيّ:" وحقيقةُ ذلك أنّ الآياتِ عند اعتبار بعضها ببعضٍ ثلاثةُ أضربٍ: محكمٌ على الإطلاق، ومتشابهٌ على الإطلاق، ومحكمٌ مِن وجهٍ متشابهٌ مِن وجهٍ " () ... إلى أنْ قال:" ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب:

ضربٌ لا سبيلَ للوقوفِ عليه، كوقتِ الساعةِ، وخروج دابّة الأرض وكيفيةُ الدابّة ونحو ذلك. وضربٌ للإنسانِ سبيلٌ إلى معرفته كالألفاظ الغريبة والأحكام الغلقة. وضربٌ متردّدٌ بين الأمرين يجوز أنْ يَخْتَصَّ بمعرفة حقيقته بعض الراسخينَ في العلم ويخفى على مَن دونهم " ... إلى أنْ قال:"وإذا عرفتَ هذه الجملةَ عُلِمَ أنّ الوقفَ على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} (آل عمران: من الآية7) وَوَصْلَهُ بقوله {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (آل عمران: من الآية7) جائزٌ وأنّ لكلِّ واحدٍ منهما وجهًا حسبما دلَّ عليه التفصيلُ المتقدّم ا. هـ

قلت: وهناك مِن أهل العلم مَن سلكَ طريقًا آخر في الجمع بين أقوال السلف في هذه الآية وذلك بِرَدِّ المسألةِ إلى الاختلاف في كلمة: التأويل، فمنهم مَن جعل التأويلَ بمعنى التفسير، وجعل الوقفَ على قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (آل عمران: من الآية7)، ومِنهم مَن جعلَ التأويلَ بمعنى العاقبةِ والغاية المجهولة وجعل الوقفَ على لفظ الجَلاَلَةِ في قوله {إِلاَّ اللَّهُ} (آل عمران: من الآية7) كما قرّرَ ذلكَ ابنُ تيميةَ رحمه الله وقال:" ولا منافاةَ بين القولين عند التحقيق " مجموع فتاوى ابن تيمية (3/ 55) وانظر: تفسير ابن كثير (2/ 9)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير