تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأصل هذا الفعل: أعوذ بتسكين العين وضم الواو، ثم أعل بنقل حركة الواو إلى العين وتسكين الواو: فقالوا: أعوذ، على أصل هذا الباب0 ثم طردوا إعلاله فقالوا في اسم الفاعل: عائذ0 وأصله: عاوذ 0 فوقعت الواو بعد ألف فاعل فقلبوها همزة، كما قالوا: قائم وخائف0 وقالوا في المصدر: عياذا بالله0 وأصله: عواذا، كلواذ، فقلبوا الواو ياء لكسرة ما قبلها ولم تحصنها حركتها؛ لأنها قد ضعفت بإعلالها في الفعل0 وقالوا: مستعيذ0 وأصله: مستعوذ، كمستخرج0 فنقلوا كسرة الواو إلى العين قبلها ثم قلبت الواو قبلها كسرة فقلبت ياء على أصل الباب0

فإن قلت: فلم دخلت السين والتاء في الأمر من هذا الفعل، كقوله: فاستعذ بالله، ولم تدخل في الماضي والمضارع، بل الأكثر أن يقال: أعوذ بالله، وعذت بالله، دون أستعيذ واستعذت؟

قلت السين والتاء دالة على الطلب0 فقوله: أستعيذ بالله0 أي: أطلب العياذ به، كما إذا قلت: أستخير الله0 أي: أطلب خيرته0 وأستغفره0 أي: أطلب مغفرته0 وأستقيله0 أي: أطلب إقالته0 فدخلت في الفعل إيذانا لطلب هذا المعنى من المعاذ0 فإذا قال المأمور: أعوذ بالله، فقد امتثل ما طلب منه؛ لأنه طلب منه الالتجاء والاعتصام0 وفرق بين نفس الالتجاء والاعتصام، وبين طلب ذلك0 فلما كان المستعيذ هاربا ملتجئا معتصما بالله، أتى بالفعل الدال على ذلك دون الفعل الدال على طلب ذلك فتأمله!

وهذا بخلاف ما إذا قيل: أستغفر الله0 فإنه طلب منه أن يطلب المغفرة من الله0 فإذا قال أستغفر الله: كان ممتثلا؛ لأن المعنى: أطلب من الله تعالى أن يغفر لي0 وحيث أراد هذا المعنى في الاستعاذة، فلا ضير أن يأتي بالسين فيقول: أستعيذ بالله تعالى0 أي: أطلب منه أن يعيذني0 ولكن هذا معنى غير نفس الاعتصام والالتجاء والهرب إليه0 فالأول: يخبر عن حاله وعياذه بربه، وخبره يتضمن سؤاله وطلبه أن يعيذه0 والثاني: طالب سائل من ربه أن يعيذه0 كأنه يقول: أطلب منك أن تعيذني0 فحال الأول أكمل مجيء امتثال هذا الأمر بلفظ الأمر0 ولهذا جاء عن النبي في امتثال هذا الأمر: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم0 وأعوذ بكلمات الله التامات0 وأعوذ بعزة الله وقدرته، دون أستعيذ0 بل الذي علمه الله إياه أن يقول: أعوذ برب الفلق0 أعوذ برب الناس، دون أستعيذ0 فتأمل هذه الحكمة البديعة!

فإن قلت فكيف جاء امتثال هذا الأمر بلفظ الأمر والمأمور به: فقال: (قل أعوذ برب الفلق- 1) و (قل أعوذ برب الناس-1)، ومعلوم أنه إذا قيل: قل الحمد لله، وقل سبحان الله، فإن امتثاله أن يقول: الحمد لله، وسبحان الله0 ولا يقول: قل: سبحان الله؟

قلت: هذا هو السؤال الذي أورده أبي بن كعب على النبي بعينه، وأجابه عنه رسول الله فقال البخاري في صحيحه: حدثنا قتيبة، ثنا سفيان عن عاصم وعبده عن زر قال: سألت أبي بن كعب عن المعوذتين، فقال: سألت رسول الله، فقال: قيل لي، فقلت0 فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم0 رواه البخاري0 ثم قال: حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش، وحدثنا عاصم عن زر قال: سألت أبي بن كعب قلت: أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود، يقول: كذا وكذا، فقال: إني سألت رسول الله، فقال: قيل لي: فقلت: قل، فنحن نقول كما قال رسول الله0

قلت: مفعول القول محذوف وتقديره: قيل لي: قل0 أو قيل لي: هذا اللفظ، فقلت كما قيل لي0 وتحت هذا السر أن النبي ليس له في القرآن إلا بلاغه، لا أنه هو أنشأه من قبل نفسه0 بل هو المبلغ له عن الله0 وقد قال الله له: قل أعوذ برب الفلق، فكان يقتضي البلاغ التام أن يقول: قل أعوذ برب الفلق، كما قال الله0 وهذا هو المعنى الذي أشار النبي إليه بقوله: قيل لي، فقلت0 أي: إني لست مبتدئا0 بل أنا مبلغ أقول، كما يقال لي، وأبلغ كلام ربي، كما أنزله إلي0 فصلوات الله وسلامه عليه، لقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وقال كما قيل له، فكفانا وشفانا من المعتزلة والجهمية وإخوانهم ممن يقول هذا القرآن العربي، وهذا النظم كلامه، ابتدأ هو به0 ففي هذا الحديث أبْيَن الردِّ لهذا القول، وأنه بلغ القول الذي أمر بتبليغه على وجهه ولفظه، حتى أنه لما قيل له: قل؛ لأنه مبلغ محض0 وما على الرسول إلا البلاغ0

الفصل الثاني المستعاذ به هو الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير