تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المستعاذ به وهو الله وحده رب الفلق، ورب الناس، ملك الناس، إله الناس الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به، ولا يستعاذ بأحد من خلقه0 بل هو الذي يعيذ المستعيذين، ويعصمهم، ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره0 وقد أخبر الله تعالى في كتابه عمن استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته طغيانا، ورهقا، فقال حكاية عن مؤمني الجن: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) الجن 6 0 جاء في التفسير أنه كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قفر قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح0 أي: فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بسادتهم رهقا0 أي: طغيانا وإثما وشرا0 يقولون: سدنا الإنس والجن0 والرهق في كلام العرب: الإثم وغشيان المحارم0 فزادوهم بهذه الاستعاذة غشيانا، لما كان محظورا من الكبر والتعاظم، فظنوا أنهم سادوا الإنس والجن0

الفصل الثالث- الشرور المستعاذ منها:

في أنواع الشرور المستعاذ منها في هاتين السورتين0 الشر الذي يصيب العبد، لا يخلو من قسمين: إما ذنوب وقعت منه يعاقب عليها فيكون وقوع ذلك بفعله وقصده وسعيه0 ويكون هذا الشر هو الذنوب وموجباتها، وهو أعظم الشرين، وأدومهما، وأشدهما اتصالا بصاحبه0 وإما ذنوب وقعت منه يعاقب عليها فيكون وقوع ذلك بفعله وقصده وسعيه0 ويكون هذا الشر هو الذنوب وموجباتها، وهو أعظم الشرين، وأدومهما، وأشدهما اتصالا بصاحبه0

وإما شر واقع به من غيره0 وذلك الغير إما مكلف، أو غير مكلف0 والمكلف إما نظيره وهو الإنسان0 أو ليس نظيره وهو الجني0 وغير المكلف مثل الهوام وذوات الحمى وغيرها0 فتضمنت هاتان السورتان الاستعاذة من هذه الشرور كلها بأوجز لفظ وأجمعه وأدله على المراد وأعمه استعاذة بحيث لم يبق شر من الشرور إلا دخل تحت الشر المستعاذ منه فيهما0

فإن سورة الفلق تضمنت الاستعاذة من أمور أربعة: أحدها: شر المخلوقات التي لها شر عموما0 الثاني: شر الفاسق إذا وقب0 الثالث: شر النفاثات في العقد0 الرابع: شر الحاسد إذا حسد0 فنتكلم على هذه الشرور الأربعة ومواقعها واتصالها بالعبد والتحرز منها قبل وقوعها، وبماذا تدفع بعد وقوعها0

فصل الشرور المستعاذ منها في المعوذتين:

الشر الأول في قوله: (من شر ما خلق 2) فإذا عرفت هذا فلنتكلم على الشرور المستعاذ منها في هاتين السورتين الشر الأول العام في قوله من شر ما خلق0

و (ما) - ههنا- موصولة، ليس إلا0 و (الشر) مسند في الآية إلى المخلوق المفعول، لا إلى خلق الرب تعالى الذي هو فعله وتكوينه، فإنه لا شر فيه بوجه ما0 فإن الشر لا يدخل في شيء من صفاته، ولا في أفعاله، كما لا يلحق ذاته تبارك وتعالى؛ فإن ذاته لها الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه0 وأوصافه كذلك لها الكمال المطلق والجلال التام0 ولا عيب فيها، ولا نقص بوجه ما0 وكذلك أفعاله كلها خيرات محضة، لا شر فيها أصلا0 ولو فعل الشر سبحانه، لاشتق له منه اسم، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى، ولعاد إليه منه حكم0 تعالى وتقدس عن ذلك0 وما يفعله من العدل بعباده، وعقوبة من يستحق العقوبة منهم هو خير محض؛ إذ هو محض العدل والحكمة؛ وإنما يكون شرا بالنسبة إليهم0 فالشر وقع في تعلقه بهم، وقيامه بهم، لا في فعله القائم به تعالى0 ونحن لا ننكر أن الشر يكون في مفعولا ته المنفصلة؛ فإنه خالق الخير والشر0 ولكن هنا أمران ينبغي أن يكونا منك على باب: أحدهما: أن ما هو شر، أو متضمن للشر، فإنه لا يكون إلا مفعولا منفصلا، لا يكون وصفا له، ولا فعلا من أفعاله0 والثاني: أن كونه شرا هو أمر نسبي إضافي، فهو خير من جهة تعلق فعل الرب وتكوينه به، وشر من جهة نسبته إلى من هو شر في حقه0 فله وجهان هو من أحدهما خير؛ وهو الوجه الذي نسب منه إلى الخالق سبحانه وتعالى خلقا وتكوينا ومشيئة، لما فيه من الحكمة البالغة التي استأثر بعلمها، وأطلع من شاء من خلقه على ما شاء منها0 وأكثر الناس تضيق عقولهم عن مباديء معرفتها، فضلا عن حقيقتها، فيكفيهم الإيمان المجمل بأن الله سبحانه هو الغني الحميد، وفاعل الشر، لا يفعله لحاجته المنافية لغناه، أو لنقصه وعيبه المنافي لحمده، فيستحيل صدور الشر من الغني الحميد فعلا، وإن كان هو الخالق للخير والشر0 فقد عرفت أن كونه شرا هو أمر إضافي، وهو في نفسه خير من جهة نسبته

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير