تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فصل الاستعاذة من الشر: وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة من الشر الذي هو سبب الذنوب والمعاصي كلها وهو الشر الداخل في الإنسان الذي هو منشأ العقوبات في الدنيا والآخرة فسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو ظلم الغير له بالسحر والحسد وهو شر من خارج وسورة الناس تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من داخل0 فالشر الأول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لأنه ليس من كسبه0 والشر الثاني في سورة الناس يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهي0 فهذا شر المعائب، والأول شر المصائب0 والشر كله يرجع إلى العيوب، والمصائب، ولا ثالث لهما0 فسورة الفلق تتضمن الاستعاذة من شر المصيبات وسورة الناس تتضمن الاستعاذة من شر العيوب التي أصلها كلها الوسوسة0

فصل الوسواس: إذا عرف هذا الوسواس: فعلال من وسوس0 وأصل الوسوسة: الحركة0 أو الصوت الخفي الذي لا يحس فيحترز منه0 فالوسواس: الإلقاء الخفي في النفس إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من ألقي إليه0 وإما بغير صوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد0 ومن هذا وسوسة الحلي وهو حركته الخفية في الأذن0 والظاهر والله تعالى أعلم أنها سميت وسوسة لقربها، وشدة مجاورتها لمحل الوسوسة من شياطين الإنس، وهو الأذن فقيل: وسوسة الحلي؛ لأنه صوت مجاور للأذن، كوسوسة الكلام الذي يلقيه الشيطان في أذن من يوسوس له0 ولما كانت الوسوسة كلاما يكرره الموسوس، ويؤكد عند من يلقيه إليه، كرروا لفظها بإزاء تكرير معناها، فقالوا: وسوس وسوسة0 فراعوا تكرير اللفظ؛ ليفهم منه تكرير مسماه0 ونظير هذا ما تقدم من متابعتهم حركة اللفظ بإزاء متابعة حركة معناه كالدوران والغليان والنزوان وبابه0 ونظير ذلك زلزل ودكدك وقلقل وكبكب الشيء؛ لأن الزلزلة حركة متكررة، وكذلك الدكدكة والقلقلة، وكذلك كبكب الشيء، إذا كبه في مكان بعيد، فهو يكب فيه كبا بعد كب، كقوله تعالى: (فكبكبوا فيها هم والغاوون الشعراء 94) 0 ومثله رضرضة، إذا كرر رضه مرة بعد مرة0 ومثله ذرذره، إذا ذره شيئا بعد شيء0 ومثله صرصر الباب، إذا تكرر صريره0 ومثله مطمط الكلام، إذا مطه شيئا بعد شيء0 ومثله كفكف الشيء، إذا كرر كفه وهو كثير0 وقد علم بهذا أن من جعل هذا الرباعي بمعنى الثلاثي المضاعف، لم يصب؛ لأن الثلاثي لا يدل على تكرار، بخلاف الرباعي المكرر0 فإذا قلت: ذر الشيء، وصر الباب، وكف الثوب، ورض الحب، لم يدل على تكرار الفعل، بخلاف ذرذر وصرصر ورضرض ونحوه0 فتأمله فإنه مطابق للقاعدة العربية في الحذو بالألفاظ حذو المعاني وقد تقدم التنبيه على ذلك فلا وجه لإعادته0 وكذلك قولهم عج العجل إذا صوت فإن تابع صوته قالوا عجعج وكذلك ثج الماء إذا صب فإن تكرر ذلك قيل ثجثج0 والمقصود أن الموسوس لما كان يكرر وسوسته ويتابعها قبل وسوس0

فصل الخناس وبيان اشتقاقه: وأما الخناس فهو فعال من خنس يخنس، إذا توارى واختفى0 ومنه قول أبي هريرة:" لقيني النبي في بعض طرق المدينة وأنا جنب، فانخنست منه "0

وحقيقة اللفظ اختفاء بعد ظهور، فليست لمجرد الاختفاء0 ولهذا وصفت بها الكواكب في قوله تعالى: (فلا أقسم بالخنس التكوير 15) 0 قال قتادة هي النجوم تبدو بالليل، وتخنس بالنهار، فتختفي ولا ترى0 وكذلك قال علي رضي الله عنه: هي الكواكب تخنس بالنهار، فلا ترى0 وقالت طائفة: الخنس هي الراجعة التي ترجع كل ليلة إلى جهة المشرق؛ وهي السبعة السيارة0 قالوا: وأصل الخنوس: الرجوع إلى وراء0 والخناس مأخوذ من هذين المعنيين، فهو من الاختفاء والرجوع والتأخر0 فإن العبد إذا غفل عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان وانبسط عليه وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها0 فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به، انخنس وانقبض كما ينخنس الشيء؛ ليتوارى0 وذلك الإنخناس والانقباض هو أيضا تجمع ورجوع وتأخر عن القلب إلى خارج0 فهو تأخر ورجوع معه اختفاء، وخنس0 وانخنس يدل على الأمرين معا0 قال قتادة: الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس0 ويقال: رأسه كرأس الحية، وهو واضع رأسه على ثمرة القلب يمنيه، ويحدثه، فإذا ذكر الله تعالى، خنس0 وإذا لم يذكره، عاد ووضع رأسه يوسوس إليه ويمنيه0

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير