تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما إنسان فهو فعلان من (أ ن س) 0 والألف والنون في آخره زائدان، لا يجوز فيه غير هذا البتة؛ إذ ليس في كلامهم: أنس حتى لا يكون إنسانا إفعالا منه0 ولا يجوز أن يكون الألف والنون في أوله زائدتين؛ إذ ليس في كلامهم: انفعل0 فيتبين أنه: فعلان من الأنس0 ولو كان مشتقا من نسي، لكان نسيانا، لا إنسانا0

فإن قلت: فهلا جعلته إفعلالا، وأصله: إنسيان، كليلة إصحيان، ثم حذفت الياء تخفيفا، فصار إنسانا؟ قلت: يأبى ذلك عدم إفعلال في كلامهم0 وحذف الياء بغير سبب، ودعوى ما لا نظير له، وذلك كله فاسد0 على أن الناس قد قيل: إن أصله: الأناس0 فحذفت الهمزة، فقيل الناس0 واستدل بقول الشاعر: إن المنايا يطلعن على الأناس الغافلين0

ولا ريب أن أناسا فعالا0 ولا يجوز فيه غير ذلك البتة0 فإن كان أصل ناس أناسا، فهو أقوى الأدلة على أنه من أنس، ويكون الناس كالإنسان سواء، في الاشتقاق، ويكون وزن ناس على هذا القول: عال؛ لأن المحذوف فاؤه0 وعلي القول الأول يكون وزنه: فعل: لأنه من النوس0 وعلى القول الضعيف يكون وزنه: فلع؛ لأنه من نسي، فقلبت لامه إلى موضع العين، فصار ناسا0 ووزنه: فلعا0

والمقصود أن الناس اسم لبني آدم، فلا يدخل الجن في مسماهم0 فلا يصح أن يكون: (من الجنة والناس) بيانا لقوله: (في صدور الناس) 0 وهذا واضح لا خفاء فيه0

فإن قيل: لا محذور في ذلك0 فقد أطلق على الجن اسم الرجال، كما في قوله تعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن 6) 0 فإذا أطلق عليهم اسم الرجال، لم يمتنع أن يطلق عليهم اسم الناس0

قلت: هذا هو الذي غر من قال إن الناس اسم للجن والإنس في هذه الآية0 وجواب ذلك: أن اسم الرجال؛ إنما وقع عليهم وقوعا مقيدا في مقابلة ذكر الرجال من الإنس0 ولا يلزم من هذا أن يقع اسم الناس والرجال عليهم مطلقا0 وأنت إذا قلت: إنسان من حجارة، أو رجل من خشب، ونحو ذلك، لم يلزم من ذلك وقوع اسم الرجل والإنسان عند الإطلاق على الحجر والخشب0 وأيضا فلا يلزم من إطلاق اسم الرجل على الجني أن يطلق عليه اسم الناس0 وذلك؛ لأن الناس، والجنة متقابلان0 وكذلك: والإنس، والجن0 فالله تعالى يقابل بين اللفظين، كقوله: (يا معشر الجن والإنس الرحمن 33) 0 وهو كثير في القرآن0 وكذلك قوله: (من الجنة والناس 6) يقتضي: أنهما متقابلان، فلا يدخل أحدهما في الآخر، بخلاف الرجال، والجن، فإنهما لم يستعملا متقابلين0 فلا يقال: الجن والرجال، كما يقال: الجن والإنس0 وحينئذ فالآية أبين حجة عليهم في أن الجن، لا يدخلون في لفظ الناس؛ لأنه قابل بين الجنة، والناس، فعلم أن أحدهما لا يدخل في الآخر0

فالصواب القول الثاني0 وهو أن قوله: (من الجنة والناس) بيان للذي يوسوس، وأنهما نوعان: إنس، وجن0 فالجني يوسوس في صدور الإنس، والإنسي أيضا يوسوس إلى الإنسي0 فالموسوس نوعان: إنس، وجن0 فإن الوسوسة هي الإلقاء الخفي في القلب0 وهذا مشترك بين الجن، والإنس، وإن كان إلقاء الإنسي ووسوسته؛ إنما هي بواسطة الأذن0 والجني لا يحتاج إلى تلك الواسطة؛ لأنه يدخل في ابن آدم، ويجري منه مجرى الدم0 على أن الجني قد يتمثل له، ويوسوس إليه في أذنه، كالإنسي- كما في البخاري عن عروة عن عائشة عن النبي أنه قال:" إن الملائكة تحدث في العنان0 والعنان الغمام بالأمر يكون في الأرض، فتسمع الشياطين الكلمة، فتقرها في أذن الكاهن، كما تقر القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة من عند أنفسهم "0 رواه البخاري والترمذي0 فهذه وسوسة وإلقاء من الشيطان بواسطة الأذن0 ونظير اشتراكهما في هذه الوسوسة اشتراكهما في الوحي الشيطاني0 قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا الأنعام 112) 0

فالشيطان يوحي إلى الإنسي باطله ويوحيه الإنسي إلى إنسي مثله0 فشياطين الإنس والجن يشتركان في الوحي الشيطاني، ويشتركان في الوسوسة0 وعلى هذا فتزول تلك الإشكالات والتعسفات التي ارتكبها أصحاب القول الأول0 وتدل الآية على الاستعاذة من شر نوعي الشياطين: شياطين الإنس، والجن0 وعلى القول الأول؛ إنما تكون الاستعاذة من شر شياطين الجن فقط0 فتأمله فإنه بديع جدا!!

فهذا ما من الله به من الكلام على بعض أسرار هاتين السورتين0 وله الحمد والمنة، وعسى الله أن يساعد بتفسير على هذا النمط، فما ذلك على الله بعزيز0 والحمد لله رب العالمين!

من كتاب (بدائع الفوائد)

للشيخ: ابن قيِّم الجوزيَّة- رحمه الله تعالى بتصرف!

ـ[أبو عاتكة]ــــــــ[30 May 2004, 12:22 م]ـ

((فصل الصدور والقلوب: وتأمل السر في قوله تعالى: (يوسوس في صدور الناس)، ولم يقل: في قلوبهم0 والصدر هو ساحة القلب وبيته0 فمنه تدخل الواردات إليه، فتجتمع في الصدر، ثم تلج في القلب0 فهو بمنزلة الدهليز له0 ومن القلب تخرج الأوامر والإرادات إلى الصدر، ثم تتفرق على الجنود0 ومن فهم هذا، فهم قوله تعالى: (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم آل عمران 154) 0 فالشيطان يدخل إلى ساحة القلب وبيته فيلقي ما يريد إلقاءه في القلب فهو موسوس في الصدر،))

اخي الفاضل لم أفهم الفرق بين ذكر القلب والصدر من كلام ابن القيم رحمه الله فهلا أفدتمونا بارك الله فيكم ونفع بكم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير