تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أهل الفراغ بلاء، أعوذ بالله من صحبة الباطلين لقد رأيت خلقاً كثيراً يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس، ويجرون فيه أحاديث الناس، وما لا يعني، و يتخلله غيبة. وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المَزُور وتشوق إليه، واستوحش من الوحدة، وخصوصاً في أيام التهاني، والأعياد فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء، والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان. فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهابه بفعل الخير كرهت ذلك وبقيت مهم بين أمرين:

إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان.

فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلب قصرت في الكلام لا تعجل الفراق.

ثم أعددت أعمالا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمان فارغاً.

فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد [الورق]، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر، وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي.

نسأل الله عز وجل أن يعرفنا شرف أوقات العمر وأن يوفقنا لاغتنامه.

ولقد شاهدت خلقاً كثيراً لا يعرفون معنى الحياة فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله، فهو يقعد في السوق أكثر النهار ينظر إلى الناس، وكم تمر به من آفة، ومنكر.

ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج، ومنهم من يقطع الزمان بكثرة الحوادث من السلاطين، والغلاء والرخص إلى غير ذلك.

فعلمت أن الله تعالى لم يطلع على شرف العمر ومعرفة قدر أوقات العافية إلا من وفقه وألهمه اغتنام ذلك " وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم ".

...... وأرجو المشاركة من الإخوة ... حفظهم الله.


(1) لا تظن أنه كان غنيا بل ربما مر عليه الوقت، وليس عنده درهم، وهو في منصب قاضي القضاة! وقد رفع مرة للقاضي بسبب مال عليه .. فقال: هذا بسبب حبي للكتب.
(2) وزن درهم الفضة يتراوح بين 2.3 و 2.03، وأخبرني أحد الإخوة أن سعر الجرام قبل عشرة أيام أربعة ريالات تقريبا، والله أعلم.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 Aug 2004, 10:04 م]ـ
وهذه قصة حول شراء الكتب، وإن لم تكن شبيهة بقصة أخي عبدالرحمن وفقه الله، غير أنها ليست بعيدة عنها.
كنت أبحث في شاهد شعري مختلف فيه بين النحويين وهو قول الفرزدق:

وكُلُّ رَفيقي كُلِّ رَحْلٍ وإِنْ هُمَا=تَعَاطَى القَنَا قَومَاهُمَا أَخَوانِ
فوجدت ابن هشام يقول فيه: (وهذا البيت من المشكلات لفظاً ومعنى وإعراباً). مغني اللبيب 1/ 196، ثم وجدته في هذا تابعاً لأبي علي الفارسي، حيث أشار في كتابه البغداديات 443، 447 إلى ما ذكره ابن هشام آنفاً.
ثم حرر الكلام على هذا الشاهد العلامة عبدالقادر البغدادي في خزانة الأدب 7/ 572 فقال: (وهذا البيت – مع وضوح معناه – قد حرفه أبو علي الفارسي في المسائل البغداديات، بتنوين قوم، وزعم أنه مفرد منصوب، فاختل عليه معنى البيت وإعرابه، فاحتاج إلى أن صححه بتعسفات وتمحلات كان غنياً عنها، ومقامه أعلى وأجل من أن ينسب إليه مثل هذا التحريف، ولكن هو كما قيل:
كفى المرءَ نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعَايبُه
وقد تبعه على هذا التحريف والتخريج ابن هشام في مغني اللبيب، ولخص كلامه من غير أن يعزوه إليه ... ).
ومحل الشاهد من القصة كلها هو ما سأذكره الآن، حيث ذكر الدماميني رحمه الله رأي ابن هشام هذا، فقال: (أطال المصنف في تقرير ما يزيل الإشكال الذي ادعاه، وكله مبني على حرف واحد، وهو ثبوت تنوين (قوماً) من جهة الرواية، ولعلها ليست كذلك، وإنما هي (قَومَاهُمَا) تثنية قوم، والمثنى مضاف إلى ضمير الرفيقين، ولا إشكال حينئذٍ لا لفظاً ولا إعراباً ولا معنى، إذ المعنى على هذا التقدير: إن كل رفيقين في السفر أخوان، وإن تعادى قوماهما، وتعاطوا المطاعنة بالقنا.
وقد رأيت في نسخة من ديوان الفرزدق هذا البيت مضبوط الميم من قوماهما بفتحة واحدة، وملكت هذه النسخةَ في جِلدين، وضَبْطُ هذا البيتِ هو الذي كان بَاعِثَاً عَلى شِرَائِهَا). انظر: تحفة الغريب المخطوط 75 أ، وتعليق الفرائد للدماميني 1/ 284 - 285
فانظر كيف كان ضبط هذه اللفظة باعثاً لشراء هذه النسخة من ديوان الفرزدق مع وجود نسخة أخرى لدى الدماميني من قبل، وهذا دليل على العناية بالعلم، وبذل المال من أجله، ولهذه القصة أخوات.

ـ[عبدالله التميمي]ــــــــ[27 Aug 2004, 07:54 م]ـ
الله المستعان .. نسأل الله ان يبارك في أعمارنا وأوقاتنا ..

ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[21 Mar 2005, 07:43 م]ـ
ومما يعين على ذلك مطالعة سير العلماء الأوائل المجتهدين في حفظ أوقاتهم، وفي كتاب قيمة الزمن للشيخ أبي غدة من هذا شيء نفيس ـ .. ولو جُمِعَ ذيلٌ عليه ينشر هنا بين الأخوة فهناك حكايات ليست بقليلة توازي بعض ما في الكتاب، بل بعضها قد تفوق .. ، وإن كان الرجل لم يقصد الاستيعاب .. لكن يذكر للفائدة ـ وكذا في سائر كتب التراجم، والسير ..

مما يصلح أن يذيل به ما ذكره الإمام الخطابي في كتاب العزلة ص35:
حدثني الحسين بن إسماعيل الفقيه قال: بلغني أن محمد بن الحسن ـ رحمة الله عليه ـ لما أخذ في تصنيف "الجامع الكبير" خلا في سرداب وأمر أهله أن يراعوا وقت غدائه، ووضوئه فيقدموا إليه حاجته منهما، وأن يؤخذ من شعره إذا طال، وأن ينظف ثوبه إذا اتسخ وأن لا يوردوا عليه شيئا يشتغل به خاطره، وأَقام على ماله وكيلا، وفوّض إليه أمره، ثم اقبل على تصنيف الكتاب، ولم يشعر إلا برجل ينزل إليه بشيء حتى وقف بين يديه، فأنكره، فقال له: من أنت؟
قال: أنا صاحب الدار!
قال: وكيف ذاك؟
قال: لأني قد ابتعت هذه الدار من فلان ـ يعني وكيله ـ!!، وكان وكله إياه عن تفويض، فاحتاج إلى الانتقال.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير