تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

6 - قال شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى – في "المجموع" (16/ 164): " فأمره أن يقبل على من جاءه يطلب أن يتزكى وأن يتذكر ".

وقال الشوكاني – رحمه الله تعالى – في "فتح القدير" (5/ 382): " لعله يزكى: مستأنفة لبيان أن له شأناً ينافي الإعراض عنه، أي: لعله يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح بسبب ما يتعلمه منك ".

" والمعنى: انظر فقد يكون تزكِّيه مرجو؛ أي: إذا أقبلت عليه بالإرشاد؛ زاد الإيمان رسوخاً في نفسه، وفعلَ خيراتٍ كثيرة مما ترشده إليه؛ فزاد تزكيه " (6).

أي: للتنبيه على أن الإعراض عنه عند كونه مرجو التزكي مما لا يجوز، فكيف إذا مقطوعاً بالتزكي؟! وفيه إشارة إلى أن من تصدى لتزكيتهم من الكفار لا يجرى منهم التزكي والتذكر أصلاً.

7 - تقديم التزكية على التذكر، من باب تقديم التخلية على التحلية، والتزكي: هو الإيمان والعمل الصالح الذي تصير به نفس الإنسان زكية؛ قال تعالى: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) فالتزكية وإن كان أصلها: النماء، والبركة، وزيادة الخير، فإنما تحصل بإزالة الشر؛ فلهذا صار التزكي يجمع بينَ هذا وهذا.

وإن كانت التزكية هي معنى زائد على قدر التطهر من الذنوب فقط، بل تتزكى النفس بكل ما تتحصل به المنافع، وتندفع به المضار.

ومحل التزكية القلب؛ ولهذا صار الإيمان والقرآن غذاء القلب المتزكي؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في "المجموع" (10/ 95 - 96):

" وفيه – أي القرآن – من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب؛ فيرغب القلب فيما ينفعه، ويرغب عما يضره؛ فيبقى القلب محباً للرشاد مبغضاً للغي، بعد أن كان مريداً للغي مبغضاً للرشاد.

فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للارادات الفاسدة حتى يصلح القلب؛ فأصلح إرادته، ويعود إلى فطرته التي فطر عليها، كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي ويتغذى القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده، كما يتغذى البدن بما ينميه ويقومه .. ".

8 - أما ذكر التزكي مع التذكر فهو لوجوه:

أحدها: أن التزكي يحصل بامتثال أمر الرسول، وإن كان صاحبه لا يتذكر علوماً عنه؛ كما قال: ((يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) ثم قال: ((وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)): فالتلاوة عليهم والتزكية عام لجميع المؤمنين، وتعليم الكتاب والحكمة خاص ببعضهم، وكذلك التزكية عام لكل من آمن بالرسول، وأما التذكر فهو مختص لمن له علوم يذكرها؛ فعرف بتذكره ما لم يعلمه غيره من تلقاء نفسه.

الوجه الثاني: أن قوله: ((أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى)) يدخل فيه النفع قليله وكثيره، والتزكي أخص من ذلك.

الثالث: أن التذكر سبب التزكي، فإنه إذا تذكر خاف ورجا؛ فتزكى، فذكر الحكم وذكر سببه، ذكر العمل وذكر العلم، وكل منهما مستلزم للآخر؛ فإنه لا يتزكى حتى يتذكر ما يسمع من الرسول كما قال تعالى: ((سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى))؛ فلابد لكل مؤمن من خشية وتذكر، وهو إذا تذكر فإنه ينتفع وقد تتم المنفعة؛ فيتزكى (7).

9 - والتزكية تحصل على إثر السماع المجمل؛ أي: هي مُترتبة على سماع التلاوة؛ كما اله تعالى: ((يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ)).

وفي هذا المعنى يقول أبو السعود في تفسيره (3/ 162): " التزكية: عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العملية، وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية، الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة ".

10 - وكان عند ابن أم مكتوم – رضي الله عنه – علم سابق عند مجيئه، وهو أن طريق الرشاد المتضمن للتزكية والتذكر مسلَّم إلى الرسل؛ فلا يتحصل إلا بالتعلم والسعي لذلك.

وفي هذا المعنى يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – في "المدارج" (2/ 314 - 315):

"فإن تزكية النفوس مسلّم إلى الرسل وإنما بعثهم الله لهذه التزكية، وولاهم إياها وجعلها على أيديهم دعوة، وتعليماً وبياناً وإرشاداً، لا خلقاً ولا إلهاماً، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم".

11 - والتذكر: تفعّل من الذكر، وهو ضد النسيان، وهو حضور صورة المذكور العلمية في القلب واختير له بناء التفعل، لحصوله بعد مهلة وتدرج؛ كالتبصّر والتفهّم والتعلّم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير