تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجملة: "أو يذكر": عطف على يزكى؛ أي: ما يدريك أن يتحصل أحد الأمرين وكلاهما مهم؛ أي: يتحصل الذكرى في نفسه بالإرشاد، لما لم يكن يعلمه، أو تذكر، لما كان في غفلة عنه (8).

والتذكر قرين الإنابة؛ قال – تعالى – ((تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ))؛ فالتبصرة آلة البصر، والتذكرة آلة التذكر، وقرن بينهما وجعلهما لأهل الإنابة؛ لأن العبد إذا أناب إلى الله أبصر مواقع الآيات والعبر؛ فاستدل بها على ما هي آيات له فزال عنه الإعراض بالإنابة والعمى بالتبصر، والغفلة بالتذكر (9).

فائدة:

فمتى قويت إنابة العبد وتذكره: لم تشتد حاجته إلى العظة – وهي الترغيب والترهيب – ولكن تكون الحاجة منه شديدة إلى معرفة الأمر والنهي.

والعظة يراد بمها أمران: الأمر والنهي المقرونان بالرغبة والرهبة، ونفس الرغبة والرهبة، فالمنيب المتذكر شديد الحاجة إلى الأمر والنهي، والمعرض الغافل شديد الحاجة إلى الترغيب والترهيب، والمعارض المتكبر شديد الحاجة إلى المجادلة، كما قال تعالى: ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)).

فالمخاطب في الآية هو المنيب المتذكر الذي جاء يسعى لتحصيل النفع الشرعي والديني، فهو من أهل الحكمة؛ فيجب أن يقدم على غيره في خطاب التذكر؛ لتحصيل العلم المفصل المتضمن لأنواع الأوامر والنواهي؛ فتأمل.

12 - ولما كان التذكر يحصل لمن له علوم يذكرها؛ فإن الساعي إلى الرشاد الموصوف بالخشية كان بحاجة إلى الدليل الهادي المفصل، فهو يحتاج إلى الظفر بهذا الدليل أولاً، ويحتاج إلى أن يهتدي به وينتفع ثانياً، ويحتاج إلى أن ينزّل على قلبه الأسباب الهادية، ويصرف عنه الأسباب المعوقة ثالثاً، فإذا حصل للعبد غفلة وذهول استذكر هذه العلوم، فضلاً عن العلوم والإرادات الفطرية، فزال عنه الإعراض، وتذكر بهذه العلوم والإرادات مطالب القرآن الكبرى (10).

ويقول شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل" (7/ 425):

" وقد يكون العلم والإرادة حاصلين بالفعل، أو بالقوة القريبة من الفعل، مع نوع من الذهول والغفلة، فإذا حصل أدنى تذكر رجعت النفس إلى ما فيها من العلم والإرادة، أو توجهت نحو المطلوب؛ فيحصل لها معرفته ومحبته ".

وأيضاً، فذكر الإنسان يحصل بما عرفه من العلوم قبل هذا، فيحصل بمجرد عقله، وخشيته تكون بما سمعه من الوعيد، فبالأول يكون ممن له قلب يفعل به، والثاني يكون ممن له أذن يسمع بها، وقد تحصل الذكرى الموجبة للخير بهذا وبهذا كما قال تعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) (11).

أيُّ رجل حي القلب، مستعد، تليت عليه الآيات؛ فأصغى بسمعه، وألقى السمع، وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب ملق السمع، فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة (12).

يظهر من ذلك أن "أو" في الآية (أو يذكر) لم يرد على المعنى الواو؛ لأن المطلوب في الآية: التزكية، والتذكر، والغالب تحصيلهما معاً؛ لكون كل منهما مستلزم للآخر وسبب له، لكن مع ذلك فقد يحصل أحدهما دون الآخر أحياناً بحسب حال العبد – والله تعالى – أعلم.

· ((إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى)):

13 - هذه الآية؛ كقوله تعالى: ((فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)).

وإنْ: شرطية، ليست نافية، وحكى الماوردي أنها بمعنى: " ما المصدرية "، أي: ذكر ما نفعت، أو ما دامت تنفع، ومعناها قريب من معنى الشرطية.

ومعنى هذا يشبه قوله تعالى: ((فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ)).

وسبب ذلك:

أن التعليم والتذكير له فاعل، وله قابل، وإن لم يتعلم ولم يتذكر؛ فقد وجد أحد طرفيه، وهو الفاعل دون المحل القابل.

فحيث خص بالتذكير والإنذار ونحوه المؤمنين؛ فهم مخصوصون بالتام النافع الذي سعدوا به، وحيث عمم؛ فالجميع مشتركون في الإنذار الذي قامت به الحجة على الخلق، سواء قبلوا أم لم يقبلوا.

فائدة:

فكل تذكير ذكر به النبي صلى الله عليه وسلم المشركين حصل به نفع في الجملة، وإن كان النفع التام هو للمؤمنين، الذين قبلوه واعتبروا به، وجاهدوا المشركين الذي قامت عليهم الحجة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير