ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[04 Sep 2009, 02:55 ص]ـ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 208 - 210]
الظاهر أن الآيتين على عمومها، وهذا ما قرره أئمة التفسير:
جاء في تفسير الطبري: (قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها، وقد يدخل في"الذين آمنوا" المصدِّقون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما حاء به، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل، وما جاءوا به، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده، والمحافظة على فرائضه التي فرضها، ونهاهم عن تضييع شيء من ذلك، فالآية عامة لكل من شمله اسم"الإيمان"، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض.) اهـ.
وفي التحرير والتنوير لابن عاشور: (والخطاب بـ"يأيها الذين آمنوا" خطاب للمسلمين على عادة القرآن في إطلاق هذا العنوان، ولأن شأن الموصول أن يكون بمنزلة المعرف بلام العهد.).اهـ.
لا شك أن القول بالعموم قول وجيه، والمؤمن الحق ملتزم لشرائع الإسلام، ولكن المتأمل في طبيعة الخطاب ومضمونه يرى دلالة واضحة أن هناك قضية خطيرة أراد أن يعالجها هذا النوع من الخطاب، وهي أن المؤمن الحق ليس أمامه إلا العمل بشرائع الإسلام كافة دون انتقاء، وإلا كان إيمانه من باب الدعاوى الكاذبة.
وسباق الآيات وسياقها يدل على أن المراد تعرية حال فئة معينة من الناس إما أن الإيمان لم يستقر في نفوسها،أو أنها ادعته نفاقا.
والله أعلى وأعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
ـ[د. إسلام المازني]ــــــــ[12 Sep 2009, 02:47 ص]ـ
بارك الله عليكم
المشاركة قيمة بحق، من حيث انتقاء الموضوع، والخيرات التي سيقت في طرحه
والتدبر عموما أمر قيم وجنة (بالضم والفتح معا فهو نعيم ووقاء من المعاصي والشرور)
وأرجو تعديل الأية الكريمة في أول مشاركة" ليس بأمانيكم .. "
وأشكر الأحبة الذين نشطوا الموضوع، فهو موضوع الساعة وكل ساعة، فكل ساعة يعوزنا مراقبة وتدبر ورجاء كذلك
كنت أسطر أن تدبر القرءان هو روح من روح هذا الدين، وحين يفقدها أهله يمسون كالأموات بلا روح، ويصبح الكتاب بين أيديهم وليس في قلوبهم
وتدبر القرءان هو قدر من روح الحقيقة، ومن حقيقة الكون والإنسان
والأهم من صفات الله تعالى التي نحتاجها حين نفكر في الوجود، أو نتواجد على الأرض قبل أن نرحل، أو نتواجد في عالم الحس والشعور محلقين، فتحمينا من التهويم والتسرب في كل خط شارد، ومن البلادة والعمى القلبي، كما تحمينا من الصلف
العقلي، وتقدم لنا قوة روحية وطاقة هائلة، ليس فقط للإيمان بها، فكل إيمان يغذي صاحبه إلى حد ما، لكن لأنها حق, وتعطي بحق، ولأن الله تعالى حق وهو الحق .. سبحانه
وقدره حق، وفعله في الكون حق
وتدبر القرءان من مفاتيح الشريعة ولن يصل مسافر لفقه تام، ولا عقيدة كاملة شاملة نقية، ولا تربية سنية فيها عمى عن نظرة الناس ومكاسب النفس، وفيها صدق تام ورقة غير مفتعلة سوى المسافر الذي يتدبر القرءان بحق
وكذلك يعطيك التدبر القواعد العقلية البدهية، والأسس الصائبة التي تعيد إليك توازنك وتريك الصورة كاملة دوما، وعميقة بكل أبعادها فتزن عقلك وتثبت نفسك وتقيك التزلزل والتردد والحيرة، ولا أعني فقط السنن الربانية في الكون والنواميس بل الأصول السوية للتفكير
....
بيع القلب يبدأ تدريجيا ثم يختفي القلب تماما
ويتحول الأمر إلى وهم
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[13 Sep 2009, 01:02 ص]ـ
أحسن الله إليك.
بحمد الله بلغت اليوم في تفسير ابن عطية تفسير هذه الآية، فقد جعلت برنامجي في شهر رمضان ختم القرآن تدبراً مع قراءة المجلد الأول من تفسير ابن عطية قراءة تأمل لا قراءة جرد. لما وصلت إلى هذه الآية العظيمة الشأن خطر ببالي تفسير راودني منذ زمن، ولم استقص إن كان قد ورد عن أحد من السلف ولكن هو كالتالي:
أن الله لما حث المؤمنين على الدخول في السلم كافة فإنه حثهم على أمر ليس سهلاً، إذ "كافة" إما أن تكون حال من الفاعل أو حال من الجار والمجرور في محل نصب المفعول، أي ليدخل كافتكم في السلم أو ليدخل المؤمنون في كافة الدين ولا يتركوا منه شيئاً، وعلى القول الأخير هذا ليس بسهل وإنما يحتاج لمجاهدة وصبر، ولذلك خفف عنا الله عندما قال ((فاتقوا الله ما استطعتم))، ولما كان الأمر بهذه الدرجة، وهي درجة الكمال لمن دخل في كافة الدين ولم يخرج عن أي شيء منه، لم يُستبعد احتمال وقوع الزلل من عباده، والزلل غير الإصرار فهو أيسر ولا يكاد يسلم منه أحد، أقول لما كان الأمر كذلك أخبر الله عباده أن "الزلل" من آثار عزته وحكمته، ولو كان أراد التهديد لقال "شديد العقاب" ونحو ذلك، ولكنه ختمها بصفتي العزة والحكمة، والآية اختصار متقن لكلام ابن القيم في "دار الهجرتين" عندما ذكر أن من المؤمنين من يُقدّر الله عليه الوقوع في الذنب - رغم التحرز - ليرى العبد ضعفه ويشاهد آثار حكمة الله فيه، فيتعلم درساً في الاعتراف بالتقصير وقلة الحول والقوة، ثم ذكر ابن القيم أن من شهد هذا المشهد - مشهد الوقوع في الذنب - فإنه ينتفع به بخلاف من وقع فيه ولم يشاهده، وعليه عند ذلك أن يثوب سريعاً إلى مولاه ويتوب وينيب إليه. والله أعلم.