تَعَالَى: " الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا " فَمَا وَجَدْت مِنْ ذَلِكَ شِفَاء , فَرَأَيْت فِي الْمَنَام مَنْ جَاءَنِي فَقَالَ لِي: هُمْ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يُفْسِدُوا فِي الْأَرْض. قَالَ الْقُشَيْرِيّ ; وَقِيلَ لَا يَمْشُونَ لِإِفْسَادِ وَمَعْصِيَة , بَلْ فِي طَاعَة اللَّه وَالْأُمُور الْمُبَاحَة مِنْ غَيْر هَوَك. وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: " وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ كُلّ مُخْتَال فَخُور " [لُقْمَان: 18]. وَقَالَ اِبْن عَبَّاس: بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْرُوف وَالتَّوَاضُع. الْحَسَن: حُلَمَاء إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا. وَقِيلَ: لَا يَتَكَبَّرُونَ عَلَى النَّاس. قُلْت: وَهَذِهِ كُلّهَا مَعَانٍ مُتَقَارِبَة , وَيَجْمَعهَا الْعِلْم بِاَللَّهِ وَالْخَوْف مِنْهُ , وَالْمَعْرِفَة بِأَحْكَامِهِ وَالْخَشْيَة مِنْ عَذَابه وَعِقَابه ; جَعَلْنَا اللَّه مِنْهُمْ بِفَضْلِهِ وَمِنْهُ. وَذَهَبَتْ فِرْقَة إِلَى أَنَّ " هَوْنًا " مُرْتَبِط بِقَوْلِهِ: " يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض " , أَنَّ الْمَشْي هُوَ هَوْن. قَالَ اِبْن عَطِيَّة: وَيُشْبِه أَنْ يُتَأَوَّل هَذَا عَلَى أَنْ تَكُون أَخْلَاق ذَلِكَ الْمَاشِي هَوْنًا مُنَاسَبَة لِمَشْيِهِ , فَيَرْجِع الْقَوْل إِلَى نَحْو مَا بَيَّنَّاهُ. وَأَمَّا أَنْ يَكُون الْمُرَاد صِفَة الْمَشْي وَحْده فَبَاطِل ; لِأَنَّهُ رُبَّ مَاشٍ هَوْنًا رُوَيْدًا وَهُوَ ذِئْب أَطْلَس. وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَكَفَّأ فِي مَشْيه كَأَنَّمَا يَنْحَطّ فِي صَبَب. وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصَّدْر فِي هَذِهِ الْأُمَّة. وَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (مَنْ مَشَى مِنْكُمْ فِي طَمَع فَلْيَمْشِ رُوَيْدًا) إِنَّمَا أَرَادَ فِي عَقْد نَفْسه , وَلَمْ يُرِدْ الْمَشْي وَحْده. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُبْطِلِينَ الْمُتَحَلِّينَ بِالدِّينِ تَمَسَّكُوا بِصُورَةِ الْمَشْي فَقَطْ ; حَتَّى قَالَ فِيهِمْ الشَّاعِر ذَمًّا لَهُمْ: كُلّهمْ يَمْشِي رُوَيْدَا كُلّهمْ يَطْلُب صَيْدَا قُلْت: وَفِي عَكْسه أَنْشَدَ اِبْن الْعَرَبِيّ لِنَفْسِهِ. تَوَاضَعْت فِي الْعَلْيَاء وَالْأَصْل كَابِر وَحُزْت قِصَاب السَّبْق بِالْهَوْنِ فِي الْأَمْر سُكُون فَلَا خُبْث السَّرِيرَة أَصْله وَجُلّ سُكُون النَّاس مِنْ عِظَم الْكِبْر
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[12 Jun 2004, 07:12 ص]ـ
أشكر الإخوة الذين تفضلوا بقراءة هذا الموقف والتعليق عليه، وحقيقةً يزداد يقيني بحاجتنا إلى منهج علمي في التعامل مع مواقف السلف وأخبارهم وأقوالهم، وليست الحاجة- في نظري- تأصيلية بقدر ما هي تحصيلية، فواجب الأدب مع أعلام السلف وعلمائهم، وتقديرهم قدرهم، وفهم أقوالهم على ما أرادوا، لا على ما نفهم، .. كل ذلك ممَّا لا يخفى على من مارس العلم وعاناه.
* وهذا أمر جليل يحتاج إلى كتابة مستقلة، كما يحتاج إلى تنبيه دائم من طلبة العلم لمن يتجاوز هذا الأصل العلمي الشرعي، وزجره عنه.
- - - - - - - - -
الأخ المنهوم وفقه الله:
كتبت ثلاث جُمل, ولها ثلاث وقفات:
1 - قلت: (هل تحتاج هذه الآية إلى ان يبحث عن من يفسرها له ثم لا يجد ذلك)،
وأقول:
من الخطأ أن ننظر إلى مواقف السلف وأقوالهم بهذا الطريقة؛ لأمور منها: أننا نتحدث عن علماء وأئمة، ثم أننا إنما أخذنا العلم عنهم، وعبارتك هذه بعيدة عن منهج البحث القائم على العلم والعدل؛ فإن القاضي في مثل هذا المقام ليس هو رأيك أو نظرك الخاص الذي هو نسبي خالص، وإنما ما بُني على علم وعدل.
- ثم أخي الفاضل، ما المانع أن تحتاج هذه الآية إلى من يفسرها؟ بل إني أراها بحاجة إلى بيان يزيل عن سامعها فهماً خاطئاً ليس هو مقصود الآية.
وسأعيد قراءة الموقف، وسأعبر عنه بقريب من عبارتك؛ ولكن بالنظر إلى نصف الكأس المملوء، فأقول:
كم تحتاج هذه الآية إلى من يفسرها، ويزيل الفهم الخاطئ لها، وكم بذل السلف من جهد وسؤال في تحصيل ذلك العلم وتحمله، وتبليغه للناس؟.
- ثم أخي الحبيب، كيف عرفت أنه لم يكن يعرف معنى الآية؟، أليس من الممكن أن يكون يعرف لها معنىً، وإنما أراد التثبت منه بسؤال أهل العلم عنه، كما هي عادتهم رحمهم الله؟، ومثل ذلك كثير في سيرهم، وأولى بهم.
- ثم هل تعرف زيد بن أسلم؟
2 - وقلت: (وفي النهاية يجد تفسيرها في المنام فهذا والله من تلاعب الشيطان بهوالاء الذين يعتمدون على المنامات)،
وأقول:
أحسنت في نقدك لمن يتلاعب بهم الشيطان في المنام، فيعتمدون على ذلك،
ولكنك في هذا المقام بحاجة إلى تحقيق أن رُؤياه هذه من تلاعب الشيطان، بل الأولى بها في نظري أن تكون من الرحمن، فإنه معنىً صحيح في نفسه، ولا يأباه سياق النص، وذَكَره معتمداً عليه ومصوباً له أئمة التفسير من ابن جرير ومن بعده الكثير.
- فهل تلاعب الشيطان بزيد بن أسلم فأعطاه هذا المعنى الصحيح؟
وهل خفيت هذه الناحية على علماء التفسير من لدن إمامهم ابن جرير إلى ابن عطية والقرطبي وغيرهم؟ فتنبهت لها دونهم؟
ثم إني أقول بعد ذلك: إن زيد بن أسلم لم يعتمد على هذه الرؤيا في تفسيره على أنها مصدر تفسيرها فقط، ولولا أن المعنى صحيح عنده لما ذكره وهو الإمام المفسر.
3 - وقلت: (فالاية تفسيرها واضح ولله الحمد)،
وأقول:
الحمد لله على ذلك، ولولا زيد بن أسلم وأمثاله من أئمة التفسير لخاض فيها الناس بالحق وبالباطل،
والحمد لله على رؤيا زيد رحمه الله، فإنها رؤيا صالحة، وقد جاءت السنة بحمد الله على ما هذا سبيله من الرؤى.
وليس في قولي هذا تهويل لأمر الؤى ولا رفعاً لها فوق محلها الشرعي في الاعتقاد والاستشهاد والاستبشار.
وشكر الله لك أخيراً على مشاركتك وحرصك على الفائدة، وفقك الله ورعاك.
- - - - - - - - - -
وشكر الله لأخي أبا حنيفة على إفادته بهذا النقل الطيب.
- - - - - - - - - -
* وتعليقي على هذا الموقف -وليس بآخر تعليق لكم إن شاء الله-:
** من عاش التفسير في يقظته خوطِبَ به في منامه **
¥