تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعندما يصف لنا الرحمن عباده في سورة الفرقان، بقوله جل شانه: (وعباد الرحمن

الذي يمشون على الأرض هونا 00 إلى آخر الآيات)، نلاحظ أيضا نفس التسلسل بين

العبادة، والأخلاق.

حتى في سورة الماعون عندما يتوعد الله الساهين عن صلاتهم بالويل

يصفهم بأنهم: (يراءون ويمنعون الماعون). وهذه من الصفات الذميمة أخلاقيًا.

وقال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم

بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ

عَلِيمٌ).

حتى أن هناك صدقات أخلاقية: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)

وفي الصيام يدعونا مولانا أن لا نرد الإساءة بالإساءة. بل ترد بقولك: إني

صائم!!

وفي الحج أمرنا الله في مناسكنا أن (لا رفث ولا فسوق ولا عصيان) فقد أضاف

حسن الخلق لمناسك الحج!

انظروا معي إلى هذه الآيات؛ لنرى معًا أهمية الأخلاق، وكيف يدعو إليها ربنا،

بحيث لا يأتي بأمر فيه عبادة إلا ويتبعه بخلق حسن:

ففي البقرة نقرأ قوله تعالى:

(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ

(43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ

تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ

وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)

وقوله تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ

وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ

عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا

اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

(278)

وفي آل عمران نقرأ قوله تعالى:

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ

الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

(134).

في هذه الآية يمزج الله سبحانه وتعالى بين الصدقة وهي نوع من العبادة وبين

الخلق الرفيع في العفو عن الناس، وكظم الغيظ ساعة الغضب.

وهنا في سورة النساء يدعو الله رسوله والمؤمنين لمقاتلة الكفار، فيقول:

(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ

الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا

وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)

لكن انظروا إلى الآيتين التاليتين 85 والآية 86 فقد أتبع سبحانه الآية السابقة،

التي تحض على القتال بآيتين تتحدثان عن التخلق بالخلق الحسن، وذلك قوله تعالى:

(مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ

يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ

عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا

بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ

حَسِيبًا (86)

فقد جمع الله في سياق الآيتين مكارمَ أخلاقٍ متنوعة؛ كالشفاعة الحسنة، وحذر من

عاقبة الشفاعة السيئة، ثم أردف في الآية 86 بتعليمنا آداب التحية، وكيفية ردها.

ولم يقل سبحانه: إذا حياكم المؤمنون!!! بل قال: إذا حييتم من أي شخص مؤمن كان،

أو غير مؤمن.

وبها الذي قدمناه نرى أن القرآن الكريم يدعو في كل آية من آياته إلى مكارم

الأخلاق.، ويحض على التحلي بها؛ لأن بقاء الأمم ببقاء أخلاقها، كما قال أحمد

شوقي:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

اللهم كما أحسنت خلقتنا، وهديتنا إلى طريقك المستقيم، حسن أخلاقنا، واجعلنا من

عبادك المتقين. والحمد لله رب العالمين.


ـ[الغرنوق]ــــــــ[16 Jun 2004, 09:18 م]ـ
جزاك الله خيرا.

ـ[سليمان داود]ــــــــ[17 Jun 2004, 09:07 م]ـ
أشكرك جزيل الشكر أخي الغرنوق

وبارك الله فيك

ـ[الموحد 2]ــــــــ[18 Jun 2004, 01:40 ص]ـ
جزاك الله خيراً أخي العزيز ..

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[18 Jun 2004, 10:26 ص]ـ
شكر الله لك أخي سليمان، وجزاك خيراً على هذه التأملات.

وهناك مسألة مهمة جداً حبذا لو تأملتها من خلال آيات القرآن الكريم، وهي تأثير العبادات على الأخلاق والسلوك.

وخذ بعض الأمثلة:

? اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ? (العنكبوت:45)

? قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ? (هود:87)

والأمثلة كثيرة من الكتاب والسنة.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير