تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأول: وجود آيات متعارضة في القرآن، ولا يمكن الجمع بينها، ولا تفسير لهذا التعارض في كتاب الله، إلا أن إحداهما ناسخة والأخرى منسوخة. ولذلك أمثلة كثيرة ذكرها العلماء، مثل آية التخيير في الصوم: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون" (البقرة: 184) عارضتها الآية التي تليها: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (البقرة: 185)، فالآية الأولى خيرت بين الصيام ودفع الفدية: طعام مسكين، والآية الثانية ألزمت بالصيام "فليصمه".

وفي البقرة أيضا: آيتا النساء المتوفى عنهن أزواجهن، الآية الأولى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف" (البقرة: 234).

والآية الأخرى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف".

قالوا: الآية الأولى نسخت الآية الثانية، وإن كانت قبلها في المصحف.

الثاني: ما ذكرناه من أقوال عدد من مفسري القرآن بوقوع النسخ في أعداد من الآيات وفي عدد من سور القرآن مكيّه ومدنيّه.

ردود المنكرين للنسخ في القرآن

ولمنكري النسخ في القرآن وجهتهم وموقفهم من هذه الأدلة التي استند إليها المدعون للنسخ والمتوسعون فيه، ومن حقهم أن نستمع إليهم، لا سيما بعد إفراط المفرطين في دعاوى النسخ.

الرد على الاستدلال بآية: "ما ننسخ ... "

أما ما استدل به القائلون بالنسخ ـ وهم جمهور علماء الأمة أو عامتهم ـ من قوله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ... " البقرة: فإن الذين ينكرون النسخ لهم فيها نظر وتأويل يمكن أن يسمع.

فمنهم من قال: هذا في النسخ ما بين الشرائع بعضها وبعض، فمن المقرر المعروف أن الأديان السماوية كلها متفقة في أصولها العقدية، ولكنها مختلفة في أحكامها التشريعية، كما قال تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" (المائدة: 48).

وهذا من الحكمة، لاختلافها بعضها عن بعض زمانا وظروفا وأوضاعا، ولهذا حرمت التوراة بعض ما كان حلالا لأولاد آدم من صلبه، مثل إباحة تزوج الأخ لأخته، نزولا على حكم الضرورة، وإلا لما تناسلت البشرية وما استمر النوع.

ومثل ما ذكره الله عن المسيح الذي قال لبني إسرائيل: "وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ" (آل عمران: 50).

فالمقصود بالنسخ في الآية الكريمة هنا نسخ بعض الأحكام التي جاءت بها التوراة أو الإنجيل من قبل، كما قال تعالى في وصف الرسول في التوراة والإنجيل: "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" (الأعراف: 156).

فقد ذكر لنا القرآن أن الله تعالى حرم على بني إسرائيل طيبات أحلت لهم بسبب ظلمهم وبغيهم، كما قال تعالى: "فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (النساء: 161)، فجاء الإسلام فرد هذه الطيبات المحرمة إلى أصل الحل.

وهذه الآية "ما ننسخ من آية أو ننسها" قد جاءت في سورة البقرة تمهد لما شرعه الله تعالى لمحمد وأهل ملته من (نسخ القبلة) وتغييرها من (بيت المقدس) إلى (المسجد الحرام) كما كان يتمنى النبي -صلى الله عليه وسلم، ولذا قال له: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ" (البقرة: 144). وقد أحدث يهود المدينة ضجة حول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير