أنبه أولاً أن الفائدة التي ذكرها ابن القيم منقولة من كتاب قيم جداً، نقل ابن القيم عنه كثيراً في بدائع الفوائد، وهو كتاب: نتائج الفكر للإمام السهيلي.
ثانياً: قول ابن القيم [أو السهيلي]: (فإذا أريد التسبيح المجرد فلا معنى للباء، لأنه لا يتعدى بحرف جر، لا تقول: سبحت بالله، وإذا أردت المقرون بالفعل وهو الصلاة أدخلت الباء تنبيهاً على ذلك المراد كأنك قلت: سبح مفتتحاً باسم ربك أو ناطقاً باسم ربك، كما تقول صل مفتتحاً أو ناطقاً باسمه.) يؤخذ منه أن التسبيح له معنيان:
المعنى الأول: التسبيح المجرد، وهو تنزيه الله عن النقص بقول: سبحان الله.
المعنى الثاني: تسبيح يراد به تنزيه الله بالفعل، أو تسبيح داخل في فعل من الأفعال، كالصلاة مثلاً.
وكثيراً ما يطلق التسبيح ويراد به الصلاة كما روى البخاري في " صحيحه " عن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى وإني لأسبحها.
فإذا أردت المعنى الأول قلت: سبح الله، أو سبح اسم الله، أي: نزهه سبحانه عن كل نقص.
وإن أردت المعنى الثاني: قلت: سبح باسم ربك، أي صل مضمناً صلاتك تسبيح الله وتنزيهه، أو: صل مفتتحاً صلاتك بالتسبح، فتقول في دعاء الاستفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك ... .
ثالثاً: فائدة: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره لسورة الأعلى: (وقوله: {اسم ربك الأعلى} قال بعض المفسرين: إن قوله {اسم ربك} يعني مسمى ربك؛ لأن التسبيح ليس للاسم بل لله نفسه، ولكن الصحيح أن معناها: سبح ربك ذاكراً اسمه، يعني لا تسبحه بالقلب فقط بل سبحه بالقلب واللسان، وذلك بذكر اسمه تعالى، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة: 96]. يعني سبح تسبيحاً مقروناً باسم، وذلك لأن تسبيح الله تعالى قد يكون بالقلب، بالعقيدة، وقد يكون باللسان، وقد يكون بهما جميعاً، والمقصود أن يسبح بهما جميعاً بقلبه لافظاً بلسانه.)
ـ[سليمان داود]ــــــــ[25 Jun 2004, 12:23 م]ـ
أستاذنا العزيز أبو مجاهد العبيدي
أشكرك على هذه التفاصيل، ولعموم الفائدة فقد قرأت هذه المقالة في جريدة أخبار العرب الاماراتية، وللفائدة سأضعها بين أيديكم وهي للباحث اللغوي محمد اسماعيل عتوك. وبالمناسبة هو يكتب أحيانا في منتدانا
وهذه المقالة:
من أسرار الإعجاز البياني في القرآن الكريم - سر دخول الباء على لفظ الاسم في قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74 - 96]
لسائل أن يسأل: ما سرُّ دخول الباء على لفظ الاسم في الآية السابقة؟ ولمَ لمْ تدخل في قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1]؟
أولاً- أجاب الفرَّاء عن ذلك بقوله:” قوله عز وجل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} و {بِاسْمِ رَبِّكَ} كل ذلك جاء، وهو من كلام العرب“ .. وتابعه في ذلك الإمام الطبري، فقال:” العرب تدخل الباء أحيانًا في التسبيح، وتحذفها أحيانًا“. واحتج بالآيتين السابقتين، وبقوله: سبَّح بحمدِ الله، وسبَّح حمدَ الله.
وأعرب ابن خالويه لفظ (اسم) من آية الأعلى مفعولاً به، ثم قال:” ولو قلت: سبح باسم ربك، لكان صوابًا، إلا أن القراءة سنة. ومثله: جزت زيدًا، وجزت بزيد. وتعلَّقت زيدًا، وتعلَّقت بزيد“.
وقال أبو حيان:” ويظهر أن (سبَّح) يتعدى تارة بنفسه؛ كقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وتارة بحرف الجر؛ كقوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} “.
وعلى ذلك يكون دخول الباء- هنا- وخروجها سواء؛ لأنه لا يغيِّر المعنى، ولا يخل به؛ ولهذا ذهب الشنقيطي إلى القول بأنها زائدة، فقال:” والظاهر أن الباء في قوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ} داخلة على المفعول. وعليه فالمعنى: فسبح اسم ربك العظيم؛ كما يوضحه قوله في الأعلى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} “.
ولكن الشنقيطي لم ينس أن يعلل لزيادة هذه الباء بأنها مؤكدَّة، ثم قال:” وزيادة الباء للتوكيد قبل مفعول الفعل المتعدي بنفسه كثيرة في القرآن، وفي كلام العرب “. وعلى هذا القول جمهور العلماء.
¥