تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولعل من دواعي كثرة الدراسات والتفاسير القرآنية أن هذا الكتاب قد بهر أرباب الفصاحة والبيان، وجعلهم عاجزين عن مجاراته بله الإتيان بآية من آياته، مما دفع علماء العربية إلى البحث عن أسباب إعجازه من جهة، واستنباط قواعد العربية النحوية واللغوية من خلال القراءات التي لم تعدُ وجوهاً فصيحة صحيحة لكلام العرب ولهجاتهم من جهة أخرى، فظهرت عن ذلك التفاسير اللغوية التي يلجأ فيها المفسر إلى اللغة، يستعين بها في تطبيق المنهاج الذي ارتضاه لنفسه والمذهب الذي يميل إليه. بيد أن الاعتماد على اللغة يختلف مقداره من مفسر إلى آخر، فمنهم من جعل كل اعتماده أو جله على اللغة، فقدموا إلينا كتب "معاني القرآن"، التي تنحو في التفسير منحى لغوياً ونحوياً وبلاغياً، وكتاب "مجاز القرآن" واحد منها، وإن اختلف عنها في التسمية، لأنه ينحو في التفسير منحى لغوياً.

ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى أن الحركة اللغوية عامة، و النحوية خاصة، بدأت أول ما بدأت، بدافع من الحرص على حفظ ألسن العرب من اللحن وتعليم الأعاجم، الذين دخلوا الإسلام أفواجاً، حسن قراءة القرآن "وكان القائمون على ذلك من قراء القرآن الذين ورثوا ألواناً من وجوه القراءات هي سابقة ولا شك على الاشتغال باللغة والنحو، فمن الطبيعي، والحالة هذه، أن يورثوها بدورهم تلاميذهم، وأن يحاول هؤلاء التلاميذ مع الزمن تأويلها وتعليلها حين بدأت تتكون مقومات البحث المنهجي العلمي" (8).

وكيلا نشعب القول ونظل في التعميم، نلقي المرساة في أواخر القرن الثاني الهجري فنرى أن "أول ما يطالعنا من دراسات القرآن الدراسات اللغوية والنحوية لأسلوب القرآن، أما اللغوية فيضطلع بها أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه "مجاز القرآن"، وأما النحوية فيضطلع بها أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء في كتابه "معاني القرآن(9)، وسوف نقف على الكتاب الأول ونفصل فيه القول لأن عليه مدار حديثنا.

*في مجاز القرآن:

كنت قد ذكرت أن هذا الكتاب ينضوي تحت ما ألف من كتب في "معاني القرآن" وإن اختلف عنها في التسمية، لأنه ينطلق ـ كما انطلقت هذه الكتب ـ في غاية واحدة هي الرجوع إلى أساليب العربية المستعملة، ومعرفة الطرق التي تسلكها في التعبير، ومن ثم فهم آي التنزيل التي نزلت على طريقة العرب.

وإذا كان كتاب الفراء "معاني القرآن"، يمثل المذهب الكوفي النحوي واللغوي فإن "مجاز القرآن"، لا يكاد يمثل مذهباً سوى الرأي المتحرر من القيود التي كانت المدرستان البصرية والكوفية تضعانها لفهم النصوص (10)، على أن صاحبه يعد من علماء البصرة.

ومع أن الكتاب قد وجدت فيه بعض آثار البحث البلاغي إلى أن الطابع اللغوي يكاد يطغى عليه حتى يوشك أن يكون كتاب لغة قبل أن يكون كتاب تفسير. و"يعد معاني القرآن للفراء دراسة مكملة ـ من الناحية اللغوية ـ لكتاب مجاز القرآن لأنه يبحث في التراكيب والإعراب، و"المجاز" يبحث في الغريب والمجاز، وكلتا الدراستين متعلقتان بالأسلوب، واختلفت دراسة الفراء هنا عن دراسة أبي عبيدة، وكان لهذا الخلاف أسبابه (11).

ولكن ما الدافع الذي جعل أبا عبيدة يؤلف كتاب المجاز، ويطلق عليه هذا الاسم؟، وفي أي وقت كان ذلك؟ ...

لقد ذكرت كتب التراجم سبب التأليف وزمنه من غير تحديد دقيق للسنة التي تم فيها ذلك. سوى ياقوت الحموي الذي حدد زمن تأليفه بسنة 188هـ، قال: " ... قال أبو عبيدة: أرسل إلي الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه سنة 188 هـ، فقدمت إلى بغداد واستأذنت عليه فأذن لي، ودخلت وهو في مجلس له طويل عريض في بساط واحد قد ملأه، وفي صدره فرش عالية لا يرتقى إليها إلا على كرسي وهو جالس عليها ... ثم دخل رجل في زي الكتَّاب له هيئة فأجلسه إلى جانبي. وقال له: أتعرف هذا؟ قال: لا. قال: هذا أبو عبيدة علامة أهل البصرة. أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل وقرظه لفعله هذا. قال لي: إني كنت إليك مشتاقاً وقد سئلت عن مسألة أفتأذن لي أن أعرفك إياها؟ ... قلت: هات. قال: قال الله تعالى: (طلعها كأنه رؤوس الشياطين (. وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يعرف، فقلت: إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفيُّ مضاجعي* ومسنونة زرق كأنياب أغوال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير